الوضعية السوسيوتربوية للمدرس وأثرها على كفاءته
التربوية والتعليمية...[1]
الأستاذ : امحمد عليلوش (Iyider النقوب)
مـدخـل :
يعتبر التعليم من ابرز القطاعات التي تساهم في تقدم
كل بلد لكونه يعد قاطرة التنمية للمجتمعات ,فلا يمكن الحديث عن تطور وتقدم مجتمع
دون النظر إلى مستوى التعليم به , ولأن المدرسة بمثابة المعمل والمصنع الذي يفبرك
الموارد البشرية التي يعتمد عليها كل المجتمع .ولهذا نجد أن هناك ارتباط وثيق بين
مستوى التعليم والتربية وتطور المجتمع وتقدمه , ونجده بدرجة اكبر بين وضعية رجل
التعليم ومستوى التعليم لكون المدرس هو قائد قاطرة التعليم وبالتالي التنمية . إلا
أن ما نلاحظه في السنوات الأخيرة من الأزمات التي يتخبط فيها التعليم المغربي ومن
المشاكل التي جعلت مستوى التربية في تراجع مستمر رغم كل المجهودات المبذولة في
إصلاح هذا القطاع الحيوي وذلك بعد صدور ميثاق التربية والتكوين , هذا في الوقت
الذي نجد فيه فئة كبيرة من المجتمع المغربي تلقي اللوم على رجل التعليم وتعتبره
السبب في ما يتخبط منه التعليم من مشاكل سواء
بالمدينة او بالقرية , فاهتزت بذلك مكانة رجل التعليم وتدهورت عما كانت عليه في
السبعينات وما بعد الاستقلال . وهذا ما زاد الطين بلة وجعل التعليم يزداد تأزما
وتراجعا خصوصا بعد أن أصبح المدرس الآن مادة دسمة للتنكيت وتزجية الوقت واعتباره
السبب المباشر في كافة مشاكل التعليم المغربي .هذه الحالة التي وصل إليها مدرسنا
اليوم ومعه تعليمنا وهذا ما دفعنا أولا كمدرس يعيش الوضع وثانيا كباحث في مجال
علوم التربية لنشير إلى دور هذا المدرس الصعب والمهم وعلاقته بالأطراف التي يعمل
معها من مدير ومفتش ثم مع التلميذ والأسرة كأطراف مشاركة في العمل التربوي بجانب
المدرس , مبرزا لوضعيته السوسيوتربوية واثر ذلك على مردوده وكفاءته التربوية
والتعليمية وبالتالي على التنمية المحلية والوطنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع
المغربي.
أولا- وضعية المدرس ودوره التربوي والتعليمي :
إن العمل التربوي والتعليمي عمل متشعب
ومعقد في نفس الوقت لكون الرسالة التي يحملها موجهة أساسا إلى الإنسان ذاته وما
يزيد الأمور تعقيدا هي ان حامل هذه الرسالة هو إنسان كذلك له خلفيات وله شخصية وله
إحساس وعواطف , كان بالأمس مستقبلا لهذه الرسالة وبعد ذلك أصبح مرسلا لها .وهذا ما
يجعل مهمة المدرس مهمة صعبة وكبيرة في نفس الوقت لأنه هو قائد العملية التعليمية
التعلمية , فعليه أن يعرف كيف يمكنه توصيل الرسالة التربوية إلى التلميذ بشكل
يراعي فيه شخصية المستقبل وكذلك مدى رد فعله اتجاه الإرسالية ولأنه أمام إنسان وليس أمام الآلة كما هو
الشأن في باقي القطاعات الأخرى . فهل دور
المدرس في العمل التربوي محدد ام انه حسب الموقف ؟ وهل يمكن لنا فعلا وضع خطة
مسبقة نحدد فيها ما يجب على المدرس القيام به داخل الفصل؟ أم أن المدرس عليه
التسلح بكل الوسائل , وعلينا أن ننظر إليه كرجل حرب وبالتالي فعليه أن يتوقع كل شيء
في الميدان ؟
إننا كلما نزيد تمعنا في دور
المدرس نجده فعلا دورا صعبا جدا , فهو يتقمص عدة شخصيات : أن يكون منشطا , فكا هيا
, مربيا , معلما , قائدا , رساما , خطاطا , أبا , أخا , قاضيا , رياضيا , وفي بعض
الحالات (تلاميذ المستوى الأول ابتدائي) أن يكون أما. بمعنى أدق أن يكون كل ما
نريده من أبنائنا و وكل ما يمكن أن يكون مستقبلا لأطفالنا , لأن المثال والنموذج
بالنسبة للتلميذ هو مدرسه والصورة المثلى بالنسبة له دائما هي صورة معلمه أو أستاذه
.فقد يؤثر رأي المدرس على رأي الأبوين لدى الطفل , فكيف لنا أن نصلح التعليم دون
النظر إلى هذا الرجل القائد الذي هو كل شيء في حقيقة الأمر بالنسبة للتعليم ؟ فلا إصلاح
بدون إصلاح وضعية المدرس النفسية والاجتماعية والمادية والاقتصادية والمعرفية ,
هذا في الوقت الذي نجد وضعية مدرسنا اليوم في تدهور مستمر من السيئ إلى الأسوأ ,
فقد فقد رأسماله الاجتماعي (son capital
social ) حيث كما ذكرت مسبقا أصبحت مكانته الاجتماعية
بالخصوص لا تطاق فهو فقط "معلم" ورجل البيض والطماطم وعقله كعقل الأطفال
وأصبح ينعت بكل النعوت السلبية فما هو السبب في ذلك؟ إننا جميعا نعرف جيدا الأسباب
التي كانت ومازالت وراء تحطيم سمعة رجل التعليم لكن ألا يكفي هذا ؟ وهل هناك فعلا
وعيا ومنطقا أن يهان أهل العلم وحاملي المعرفة وهم الذين في المرتبة العليا عند
الله تعالى , وقد أمر سبحانه بضرورة طلب العلم ونحن نعلم أن أول سورة نزلت على
المعلم الأول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تدعوه للقراءة (سورة العلق) . أم أن الأمر
مقصود فعلا من لدن المسئولين الذين يدرسون أبناءهم في المدارس الأجنبية؟ وذلك بعد إضرابات
الثمانينات التي تزعمها رجال التعليم ؟
أن الوضعية السوسيولوجية للمدرس
اليوم وبدون أي بحث ميداني , قد طبع عليها اليأس والنفور التام نظرا للمضايقات
التي يتعرض لها المربي الذي نريده أن يصلح المجتمع ونحقق به التنمية. وقد تراجعت
مكانة المدرس وبالتالي مكانة التعليم بصفة عامة . وكثيرا من الباحثين أكدوا على
هذه الحقيقة المرة فعلا فنجد الدكتور محمد الأشهب في مجلة عالم التربية العدد6-7
سنة 1999 الصفحة 202 قال(1): " من الملاحظ في الأعوام الأخيرة تراجع مكانة
المدرس في المجتمع المغربي بصفة عامة وفي المجتمع القروي بصفة خاصة " كما أن
دوره المعرفي قد تراجع لكونه في السابق وخاصة في العالم القروي كمصدر للمعرفة حيث
بجانب مهمة التدريس فهو الذي يقرأ ويكتب رسائل السكان وكذلك جميع مراسلاتهم بجانب
الفقيه الذي يتكلف بالجانب الديني , إلا أن ظهور منافسين للمدرس معرفيا كوسائل
الإعلام وخاصة المذياع والتلفاز والصحون المقعرة , جعلت المكانة المعرفية للمدرس
تتراجع بشكل كبير , ولهذا تغيرت نظرة المجتمع القروي اتجاه المدرس فماذا عن هذه
النظرة الجديدة والمشئومة ؟
ثانيا- نظرة المجتمع القروي إلى المدرس :
لقد كان فعلا دور المدرس في
السبعينات دورا متشعبا ومهما جدا حيث ان رجال التعليم , وحسب ما أشار إليه الدكتور
محمد عابد الجابري , ليسوا معلمي صبيان فحسب بل أن مهمتهم في الحقيقة أوسع من ذلك
وأعمق , حيث أنهم الأداة التي لا يمكن ان يتحقق التغير بدون مساهمتها الفعالة
والمتواصلة(2).وبالتالي كان دور المدرس يتجلى في قيادة المجتمع بشكل عام والقروي
بشكل خاص نحو الحضارة والتقدم حيث بيده مفتاح التوعية ومحاربة الأمية وحل بعض
المشكلات المستعصية للدوار الذي يتواجد فيه , هذا كله بجانب مهمته الصعبة داخل
القسم . ومن الطبيعي جدا أن يجلب هذا كله للمدرس الاحترام
والتقدير لأن دوره مهم ومركزي حيث لا يستطيع احد من أفراد المجتمع أن يفقد تعاطف
وتعامل هذا المدرس لأنه ربما قد يحتاج إليه يوما ما في حل مشكلته .
أما في الوقت الراهن وبعد عقد الثمانينات بدأت تتراجع نظرة المجتمع المغربي
بشكل عام والقروي بشكل خاص اتجاه هذا الرجل الذي يحمل المعرفة ولا ادري هل لكثرة
عددهم أم أن وراء الأمر خطة مدروسة ؟ فأصبح المدرس بالنسبة للمجتمع القروي مجرد
موظف عادي مثله مثل الآخرين أو أدنى منهم إذا ما حاولنا مقارنة مكانته مع مكانة
موظف يعمل في الجماعة القروية الذي قد يحتاج إليه في إعداد وثيقة إدارية كعقد
الازدياد مثلا , أو مع مكانة الشيخ أو
الدركي الذي يشكل مصدر خوف لدى السكان .هذا في الوقت الذي ينسى فيه المواطن
بان الدركي والشرطي , الممرض , المهندس , القائد والوزير وكل الموظفين قد كانوا
تلاميذ عند المدرس وقد مروا بيده ولولاه لما كانوا في تلك المكانة .
ومن هنا يمكن القول بان نظرة المجتمع القروي إلى المدرس قد عرفت تغيرا
ملحوظا جدا , هذا ما أثر بشكل كبير على مردودية المدرس وعلى مهمته وبالتالي على
العمل التربوي والتعليمي بشكل عام . ولا يمكن لنا الحديث عن أزمة التعليم
المستعصية دون أن ننظر إلى الوضعية السوسيوتربوية لقائد العملية التعليمية الذي هو
المدرس والذي يعاني كذلك من مشاكل داخل المدرسة من كثرة المهام المنوطة إليه وكذلك
من تصرفات بعض المديرين ومن المشاكل التي تتخبط منها الإدارة التربوية بصفة عامة
وبسبب التفاوت الفكري والعقلي للأجيال(جيل المديرين وجيل المدرسين ) وكذلك لسياسة
التقشف التي تمارسها الدولة اتجاه التعليم ففي بعض الحالات تجد مدارس لا تتوفر على
الطباشير كأقل ما يمكن توفره في حين أن المدرسة في الدول الغربية تتجه نحو استعمال
الوسائل التكنولوجية من كومبيوتر وانترنيت .
وتجدر الإشارة كذلك إلى انه إذا
كانت نظرة المجتمع قد تغيرت اتجاه المدرس نظرا لتغير الحياة العامة والظروف كلها
بشكل عام وذلك بسبب ما يعرفه العالم من تطورات سريعة مما أذى كذلك إلى ضرورة تغيير
البرامج والمحتويات وكذلك الأساليب المعتمدة في التربية بصفة عامة وفي التعامل مع الأخر
, فانه أصبح من الضروري كذلك على هذا المدرس أن يغير من أساليبه وان يتأقلم مع هذه
التغيرات الجديدة والتي تفرض عليه ضرورة التسلح بالعلم والمعرفة الضروريين وان
يعمل على تفادي المنافسة التي يعاني منها .فما هي إذن القدرات والكفايات التي يجب أن
يتوفر عليها المدرس اليوم لكي يمسك مقود العمل التربوي والتعليمي بشكل جيد ؟
وبماذا يجب أن يتسلح المدرس خلال معركته التربوية ؟
ثالثا: أهمية التواصل
وعلم النفس التربوي بالنسبة للمدرس(ثقافته) :
إن
عملية التدريس لا تعتمد على المساعدات الخارجية التي توهب لها من مختلف فروع العلم
الإنساني فحسب، بل يجب على صاحب هذه المهنة أن يفهم مهمته وواجباتها وأن يسعى
لتزويد نفسه بكل الوسائل التي تمكنه أن يقدم مساعدة ايجابية لتحقيق واجبات مهنته
على أكمل وجه ممكن.
ولاشك
أن علم النفس التربوي يمكنه أن يساعد المدرس في هذه الناحية، ذلك أن فهم العوامل
المختلفة المؤثرة في عملية النمو وإدراك أثر العوامل الخارجية (منزل الطفل، شروطه
الاقتصادية، وضعه الاجتماعي، طبيعة العلاقة بين الأبوين وبينهما وبين الأطفال...)
في النمو التربوي تساعد على ممارسة الإشراف على هذه العملية بنجاح وتوجيهها الوجهة
المناسبة كما أن فهم مشكلات علم النفس التربوي تساعد في استغلال نشاط التلاميذ،
وفي تقييم أعمالهم وفي توجيههم توجيها مهنيا مناسبا، وبعبارة أخرى إن فهم النمو
التربوي من حيث أنه عملية تعتمد على الفروق الفردية، ونتوسل إلى تحقيقها بطرق تعلم
جيدة ونقيسها بمقاييس مختلفة، هادفين من هنا كله إلى السعي لتحقيق نوع من التوافق
بين الفرد ومنجمه الخارجي، وإن الفهم خير مساعد لتحقيق عملية التنشئة الاجتماعية
وإعداد جيل صالح لتولي مسؤوليته في المجتمع.
يقول
الدكتور أحمد زكي صالح: "نحن جميعا من آباء ومربين ومدرسين نخطأ في تفهم
عقلية الطفل والحكم عليه حين نعتبره صورة مصغرة للرجل يفكر كما يكفر الكبار ويشعر
كما يشعرون ونزداد خطأ حين نرغمه على قبول مبادئنا وأخلاقنا فهو مختلف لأنه يرى
ولا يدرك ويسمع ولا ينصت، يتكلم ولا يحسن التعبير عما يفكر فيه ويصدق ولا يعرف
معنى الفضيلة، ويكذب ولا يعرف معنى الرذيلة"(3).
ويقول
دمفيل: "إن ألزم ما يكون للمدرس إن أراد أن يحدث في نفسية التلميذ وعقليته
وشخصيته الأثر الحسن الذي ينشده. أن يدرس قواعد السلوك الطبيعي" أي علم النفس(4).
كما
يقول فريمان: "إن أقل ما يستفيده المدرس من دراسته الطفولة والفوارق الفردية
بين الأطفال هو فهم الصعوبات التي تعترض التلاميذ، وأحسن الطرق للتغلب عليها، وكيف
يصوغ طرق التدريس حتى تتلاءم كل متعلم"(5).
من
هنا نجد أن مهمة المعلم أو المدرس لا تقتصر على استيعاب وفهم المادة الدراسية
والعلمية وإعطائها وتمريرها للمتعلم والطفل فحسب، وإنما يجب عليه أن يأخذ بعين
الاعتبار ذاتية الطفل وفرديته ونوع الجماعة التي يعيش فيها ويطلع بكيفية عميقة على
مراحل نضجه ونموه الحركي والجسدي والعقلي والحسي، لتحسين العملية التعليمية
التربوية، والارتقاء بها إلى الأهداف المنشودة والمسطرة من طرف المجتمع وبذلك يكون
المدرس عبارة عن مربي ومدرس في نفس الوقت فهو الذي يملك التوجيه لنتائج العوامل
المؤثرة في النمو التربوي توجيها يتفق ومصالح المجتمع واكتمال نمو شخصية الطفل،
كما أنه يعتبر المسؤول عن استشارة النمو التربوي فهو المكلف بتعدد خبرات الطفل
واستشارة مواهبه واستعداداته .
ويرى بعض الباحثين أن أهم سمات المدرس
الناجح في التواصل الأفقي مع تلامذته وقدرته على التعامل مع المتعلمين متعددي
الثقافات والأجناس والميولات كما انه لا تتحقق المردودية الايجابية للتعليم إلا إذا
توفرت للمدرس مجموعة من الخبرات والكفاءات ليس فقط في مجال تخصصه وطرق التدريس
ولكن أيضا فيما له علاقة بالمجال التربوي من علوم إنسانية واجتماعية , وعليه كذلك أن
يطلع على كل التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الوطنية والدولية وعلى كل
جديد ومستجد في العلم والمعرفة وان يكون ملما بتقنيات القيادة ومبادئها بمعنى أن
يصبح المدرس كموسوعة شاملة تلبي جميع حاجات التلميذ .لكن هل إعداد المدرس يكفي في
العمل التربوي وفي التنشئة الاجتماعية لأطفالنا ام هناك أطراف لها دور فعال بجانب
المدرس ؟
رابعا-
الأطراف المشاركة في العمل التربوي بجانب المدرس:
هل العمل التربوي عمل خاص بالمدرس أو المعلم
وحده أو هناك أشخاص آخرون يعتبرون مسئولين عن تربية وتعليم الطفل؟
هل
المدرسة هي التي تعلم للطفل كل شيء؟ لا شك أن هذه الإشكالية مطروحة بشدة إذ أننا
نلاحظ أن الأسرة تضع كل المسؤولية على عاتق المدرسة من أجل تعليم وتربية الطفل(6).
وهذا خطأ لأن المدرسة لا تعلم إلا على التوجيه فقط بحيث على الأسرة أيضا أن تراقب
الطفل لأن الطفل يتأثر ببيئات أخرى مختلفة: البيئة الجغرافية والاجتماعية والبيئة
الحضرية، وكل هذه البيئات تأثر في عملية النمو إضافة إلى الأسرة وهي الخلية الأولى
التي يوجد ضمنها الطفل إذ أنه يتلقى المبادئ الأولى قبل أن ينتقل إلى المؤسسة الاجتماعية
الثانية وهي المدرسة التي يقضي فيها معظم أوقاته، إذ أن نقل الطفل إلى المدرسة لا
يعني الاعتماد على المعلم وحده، بل يجب أن تتضافر جهود كل من الأسرة والمدرسة من
أجل مساعدة الطفل على التكيف مع الظروف الجديدة إذ الأسرة طرف هام من الأطراف
المساهمة في العمل التربوي وهنا يمكن لها أن تؤدي الدور الإيجابي كما يمكن أن يكون
دورها سلبيا في حالة إهمالها لهذا الجانب التربوي.
الشارع
هو أيضا جانب مساهم في هذه المهمة، فالطفل ينقسم اليوم وقته بين المدرسة والبيت
والشارع لكن أغلب الأوقات تأخذها كل من المدرسة والشارع، إن للشارع تأثير كبير على
شخصية الطفل من جميع النواحي خصوصا الناحية التربوية، فالطفل يهرب من البيت إلى
الشارع وفي بعض الأحيان من المدرسة قصد الشارع وذلك من أجل اللعب، فهل نمنعه من
هذا الجانب بصفة نهائية إذ هو على اتصال به شئنا أم لم نشأ؟ خصوصا وأن الطفل يحتاج
إلى هذه الفاعلية باعتبارها ليست تضييعا للوقت بل في بعض الأحيان عبارة عن إفراغ
لطاقة زائدة، أي اللعب ليستعيد الطفل نشاطه من جديد، وفي الشارع يمكن للطفل أن
يتصل بأطفال آخرين وبين هؤلاء اختلافات كبيرة وكثيرة كل منه يؤثر ويتأثر بالآخرين،
وإما أن يكون لهذا التأثير نتائج سلبية أو إيجابية، المهم أن الشارع كمؤسسة
اجتماعية له دور في العملية التربوية، وهناك مؤسسة أخرى مثل وسائل الإعلام، فالطفل
في مرحلة معينة يعطي كل اهتماماته لهذه
الوسائل، إلا أنه يجب أن تكون هناك رقابة اتجاه هذه الوسائل أي يجب أن يحرص الآباء
على ألا تأخذ كل وقت الطفل وبالتالي هذه الأشرطة أو البرامج يجب أن تكون في مستوى
الطفل العقلي والإجتماعي(7).
خامسا
: علاقة المدرس بالتلميذ :
قبل
الخوض في تبيان علاقة المدرس بالتلميذ لابد في البداية من تحديد مفهوم العلاقة حيث
يقصد بها ذلك المفهوم الذي يتصف بالضرورة والشمولية , فعن طريق العلاقة يتأسس كل شيء
, فهي تفيد معنى الصلة والرابطة مهما تكن طبيعتها . فإذا كان المدرس هو قائد
العملية التعليمية التعلمية فان التلميذ هو المادة الأولية والأساسية لهذه العملية
حيث بدونه لا يمكن للمدرسة
أن
تعمل و بالتالي فان
دور المدرس لا يكتمل إلا بربط علاقة جيدة مع التلميذ , فكيف هي علاقة المدرس
بالتلميذ ؟
إن
التلميذ لا ينظر إلى المدرس كمصدر للمعرفة فقط بل يبحث فيه عن الجانب الإنساني ,
وبالتالي فان الطابع الذي يجب أن تكتسيه علاقة المدرس بتلميذه هو طابع إنساني
بالدرجة الاولى مبني على القيم الإنسانية والأخلاقية السامية وعلى التواصل الأفقي
وليس العمودي كما هو الشأن في الطرق التقليدية . وعلى المدرس أن يكون محاطا
بالمستوى العقلي والنفسي للتلميذ , وكذلك تكوينه المعرفي دون إغفال ظروف عيشه
ومحيطه , ومناخ أسرته كميكانيزمات فاعلة ومؤثرة تحدد مستوى التلميذ داخل القسم ,
ومدى الانسجام او العزلة في علاقته بأصدقائه , ثم مدى قدرة التلميذ على تمثل المحتويات
والبرامج المسطرة .ولأن علاقة المدرس بالتلميذ المبنية على السلطة وعلى المادة
الدراسية فقط , والعلاقة التي تعتبر التلميذ اقل قيمة إنسانية من المدرس , تسفر عن
نتائج سلبية منها ضعف المردودية وضعف التواصل وكذلك شعور التلميذ بالعدوانية وبالتالي التسرب او الانقطاع المبكر عن الدراسة
.ولهذا كلما تقرب المدرس من التلاميذ واهتم بشؤونهم وحاول ان يشركهم هموم الفصل
وفي كل صغيرة وكبيرة تتعلق بجماعة القسم , الا وكانت النتائج ايجابية والإقبال على
التحصيل والمشاركة في تزايد مستمر لان التلميذ في هذه الحالة يحس بمسؤوليته وبدوره
داخل الجماعة التي ينتمي اليها .
ولهذا
فلا يكفي ان يهتم المدرس بكيفية تدريس المادة وكيفية تبليغها له , بل يجب ان يأخذ
بعين الاعتبار العلاقة النفسية والاجتماعية السائدة بين جماعة الفصل , وعليه ان
يعرف كذلك طبيعة هذه الجماعة وخصوصياتها وظروفها الاجتماعية والنفسية من اجل
التعرف على الدوافع والحوافز التي تدفع أفرادها نحو مواقف معينة وتصرفات خاصة
كالعدوانية مثلا او الانزواء او الانعزال .ولا يكفي للمدرس أن يحمل معه إلى القسم
محفظة مملوءة بالمراجع والجذاذات بل من الضروري أن يحمل معه الحنان والعطف والمحبة
والمعاملات الإنسانية أولا قبل المعرفة والخبرة لأنه بصدد التعامل مع كائن بشري
وفي سن هو بحاجة إلى ذلك.وهنا أتذكر ما قاله سقراط عن احد تلاميذته : "ماذا
يمكنني أن اعلمه؟ طالما لايحبني."
سادسا
: علاقة المدرس بالمدير:
تجدر الإشارة في بداية الأمر الى ان الإدارة التربوية
ليست كباقي الإدارات الأخرى مثل الشركات او المؤسسات الاقتصادية والتي يظهر مستوى الإدارة
في تحقيق الربح المادي وتفادي الخسارة عن طريق تدبير الموارد المالية والبشرية
وكذلك المواد الأولية .ولان الإدارة التربوية لا تسعى الى تحقيق ربح مادي ولكن
تحقيق تنشئة اجتماعية لعدد كبير من الأطفال و لا يمكن تعويض كل خسارة محتملة لانها
سيبقى اثرها مدى الحياة وانها ليست كخسارة
مادية التي يمكن تعويضها او تلافيها ...
فاذا
كان المدرس هو قائد العملية التعليمية داخل الفصل , فان المدير هو المشرف العام عن
السفينة التي يتواجد فيها جميع القواد أي هيئة التدريس , أي ان دور المدير يبقى
شاملا وله اثر كبير على سير عمل كل قائد داخل السفينة التي تحمل جميع التلاميذ
كمسافرين لطلب العلم والمعرفة .ولهذا فعلاقة المدرس بالمدير تتجلى كلها في خدمة
التلميذ وفي مصلحته كزبون .فهما يلتقيان عند تحقيق مصلحة الطفل وخدمته بأقصى
الجهود , هذه المصلحة عندها سيجتمعان وعلى ضدها سيفترقان ويختلفان .فالمدير وهيئة
التدريس يعيشون بين جنبات المدرسة كمؤسسة تزخر بتفاعلات اجتماعية مهمة , وفيها
يقيمون علاقات تواصلية ووجدانية قد تكون ذات طابع الانجذاب او التنافر او التعاطف
او الكراهية ,حيث بفضل هذه العلاقات تتحدد طريقة ممارسة الفعل التربوي.
ولبناء علاقة وطيدة بين المدرس
والمدير لابد من استحضار مصلحة المتعلم بالدرجة الاولى في كل لحظة , وينبغي كذلك
تجاوز تلك التصورات الخاطئة التي يعتمد عليها كل طرف منهما حيث نجد مثلا بعض
المديرين الذين يرون ان هيئة التدريس العاملة تحت اشرافهم تبقى قاصرة ودون المستوى
وما هي الا بمثابة موظفين وجب عليهم تطبيق القانون وتنفيذ الاوامر , وان الوسيلة
الوحيدة لضبط تسيير مؤسساتهم هي سياسة "فرق تسد" ولهذا تجدهم يلجئون في
غالب الأحيان إلى ضرب كل جماعة بأخرى لتفرقة هيأة التدريس , عوض ان يعتمدوا على
التواصل والحوار البناء والتعاون والتكتل سعيا للرقي بمؤسساتهم لخدمة مصالح
المتعلمين . هذا في الوقت الذي نجد بعض
المدرسين الذين يعتبرون ان المدير الذي هو
رمز السلطة المطلقة بالمؤسسة يجب ان لا ينال منهم أي تقدير واحترام وان كل من تقرب
نحوه فمرده الخوف او المجاملة والنفاق فقط.
وهنا يسعى الطرفان –المدير
والمدرس-الى نصب المكائد وكل طرف يحاول دائما ان ينتقم من الأخر .فيبقى التلميذ هو
الضحية الأولى في هذه المشاحنات , ولهذا فان علاقة المدرس بالمدير يجب ان تنبني
على أسس إنسانية تعتمد التواصل والتعاون المتبادل كركيزة أساسية .ولأن كل منهما
ضروري للأخر وان كل نزاع بينهما قد يغرق سفينة التربية والتعليم وبالتالي الخاسر
الأول هم الأطفال.
سابعا
: علاقة المدرس بالمشرف التربوي (المفتش) :
يعتبر المفتش التربوي من ابرز
الأطراف المؤثرة في العمل التربوي لكونه المشرف عليها , لذلك تبين الممارسة
الميدانية ان علاقته بالمدرس تتأثر الى حد كبير بواقع الممارسة التفتيشية(8), فإما
ان تكون علاقة مبنية على التواصل التربوي فيها تأثير على الإنتاج التعليمي وكفاءة المدرس , او ان تكون
علاقة مبنية على التوتر والنفور وبالتالي ضعف فاعلية التفتيش .وفي الحالتين معا
ترتبط طبيعة العلاقة بشخصية كل من المدرس والمفتش. واذا ما عدنا الى النصوص
القانونية فان مهمة المفتش تتجلى أساسا في التأطير والمراقبة لسير العمل التربوي
بالمؤسسات التعليمية وبالتالي فان دور هيئة التاطير والمراقبة التربوية يؤهلها جدا
لكي تلعب الدور الموجه لعمل المدرس اذ المفتش بالنسبة للمدرس هو النموذج المثالي
الذي يجب الاصغاء اليه , فعلى المفتش ان يعمل على تدعيم عمل المدرس ومجهوداته , و
ان يقوم على تحفيزه دائما وان يمده بكل ما هو مستجد في الميدان التربوي . و لتحقيق
هذا التواصل البناء بين المدرس والمفتش لابد ان تبدأ المبادرة من المشرف التربوي
وذلك لتفعيل مفهوم التواصل الثنائي باعتماد اللقاءات التربوية والزيارات المبنية
على الروح الاخوية اولا قبل ان ترتكز على المراقبة وذلك لرصد شخصية المدرس , فكما نطلب
من المدرس ان يتعرف اولا على تلاميذه , فعلا المفتش ان يربط علاقات انسانية
بالدرجة الاولى مع المدرسين الذين هم تحت اشرافه .ويتجاوز تلك العقلية
البيروقراطية واحتكامه للمعلومات والقرارات في المجال التربوي والمعرفي (9), وعليه
مسايرة المستجدات التربوية والعصرية وذلك من اجل ان يدرك المفتش العلاقة بين ما هو بيداغوجي وإداري
وتربوي وكيفية الربط بينها دون الإفراط في كل جانب .
ان واقع الممارسة التفتيشية
اليوم في نظامنا التعليمي , يشير الى ان هناك مجموعة من الاختلالات تستدعي إصلاحا جذريا
يتم من خلاله تقنين دور المفتش وكذلك تجديد النصوص التشريعية مع ضرورة الاخذ بعين
الاعتبار المستجدات التربوية والمعرفية وكذلك التحولات التي عرفها الواقع
المغربي نتيجة ما يمر به العالم من
تغييرات ثقافية وتربوية واقتصادية واجتماعية وسياسية .
ثامنا
: خاتمة :
لقد كان من الصعب الإلمام بوضعية المدرس
السوسيوتربوية من جميع الجوانب لأننا بصدد الحديث عن مهنة صعبة تحديد دورها , ولكن
بحكم تجربتنا المتواضعة كمدرس يمكن القول بان هذه الوضعية لا تنم عن الرضا ليس
لكثرة المشاكل التي يتخبط منها النظام التعليمي برمته ولكن بالأساس لعدم استيعاب
الجميع للدور الحقيقي للمدرس ثم لعدم مسايرة وضعيته المادية والثقافية والاجتماعية
للتغيرات التي عرفها الواقع المعيش للإنسان المغربي , ولهذا لقد حان الوقت لأن
نتذكر ما قاله المدرس الشاعر الكبير احمد شوقي حين قال :
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
وليس
كما يقال اليوم في أوساط المجتمع :
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يبيع جفيلا.
الهوامش
: 1)محمد الاشهب-مجلة علوم التربية العدد 6-7 ص 202 .1999
2)محمد عابد الجابري –"رؤية
تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية" ص 188-189 الطبعة 4 سنة 1983
3) "علم النفس التربوي "احمد
زكي صالح.
4)امحمد عليلوش "ماذا عن علوم
التربية؟" بحث تربوي عن سنة 1997 بدعم من جمعية تماينوت للثقافة والفنون
الشعبية.تحت اشراف الاستاذة الادريسي فاطمة الزهراء وعائشة ابورقيق.
5) امحمد عليلوش , نفس المرجع السابق
ص : 26
6) امحمد عليلوش, نفس المرجع السابق ص
:26
7) امحمد عليلوش ,نفس المرجع السابق ص
:5
8) "دليل التفتيش التربوي
بالتعليم الاساسي والثانوي" اعداد وتاليف :ابراهيم الباعمراني .منشورات صدى
التضامن ص 38 الطبعة 2000
9) نفس المرجع ص : 7
-" الوضعية السوسيواقتصادية
للمعلمين واثرها على اندماجهم بالوسط القروي" بحث لنيل الاجازة في شعبة علم
الاجتماع للطالب البشير اصواب تحت اشراف الدكتور حسن المجاهيد.سنة 2002/2003
ليست هناك تعليقات: