تحميل الكتاب

السبت، 31 مارس 2018

بيداغوجيا الكفايات (المفهوم - المرجعية - التيارات التربوية)


بيداغوجيا الكفايات

(المفهوم - المرجعية - التيارات التربوية)


ترتكزُ المقاربة على أسسٍ تصوُّرية، تختلف عن النموذج التقليدي وعن بيداغوجيا الأهداف التي تم العملُ بها ما يزيد عن نصف قرن في بعض الدول، فالمقاربة بالكفايات تعتبرُ المعارفَ مجرَّدَ موارد لا بد من تعبئتِها، وتستلزم عملاً منتظمًا يتوسل بالوضعية - المشكلة، وتلجأ إلى بيداغوجيا تجعل المتعلِّم في محور النشاط التعلمي عِوَضَ المدرس أو المضامين، وعِوَض الكتب المدرسية والوسائل الأخرى التي لا تعتبر إلا مجرد أدوات في خدمة العملية التعليمية - التعلمية.

وتتمحور هذه المقاربة حول بيداغوجيا لبناء الكفايات، بيداغوجيا تعمل على تزويد المتعلِّمين بوسائل لممارسة التعلم، وتعلم التصرف حسب الوضعيات، وتطمح إلى إزالة الحواجز بين المواد الدراسية، أو على الأقل العمل على التقليص من حدَّتِها[1].

اعتبر المفكر الفرنسي "أوليفيي روبول" - في نصٍّ له بعنوان "من أجل بيداغوجيا الكفايات" - أن الكفاية تسمحُ بتعريف الثقافة كاستعداد وكقدرة على إصدار الأحكام في مختلف المجالات (اللسانية، والقانونية، والعلمية والسياسية...)، وليس باعتبارها مجموعةً من المعارف المتراكمة.

وتساءل في هذا الإطار:
"ألا يمكن أن يؤدِّي تعريف الثقافة ككفاية، إلى التضحية بالثقافة العامة لفائدة تكوين متخصص، على اعتبار أن كل كفاية تنحصر في مجال معين، وإن كانت قابلة للتحويل في بعض الأحيان"؟[2].

وهذا ما سنلمَسُه في التيارينِ الثقافيين التربويين اللَّذينِ تزعَّما التجديد البيداغوجي في العالم، لكن قبل ذلك سنُلقِي الضوء على تعريف بيداغوجيا الكفايات والمفاهيم المهيكلة لها، ومرجعيتها.

1- مفهوم بيداغوجيا الكفايات، وتعريفات التربويين والديداكتيكيين:
ما إن دخل واقتحم مفهومُ الكفايات حقلَ التربية حتى حاول كلُّ باحثٍ أن يُدلِي بدلوِه في هذا الباب، وهنا نورد بعضًا من تعاريف هذا المفهوم:
 تعريف "لوبترف" (Le boterf G) الكفاية بكونها القدرة على التحويل.

فالكفاية لا يمكن أن تقتصر على تنفيذ مهمة وحيدة ومتكررة بالنسبة للمعتاد، إنها تفترضُ القدرة على التعلم والتفوق، كما أنها تلائم لخل قسم من المشاكل، أو لمواجهة فئة من الوضعيات، وليس فقط مشكل معين ووضعية بعينها، فالكفاءة هي "القدرة على تكييف التصرف مع الوضعية، ومواجهة الصعوبات غير المنتظرة، وكذلك قدرة الحفاظ على الموارد الذاتية للاستفادة منها أكثر ما يمكن، دون هدر للمجهود، إنها القدرة والاستعداد التلقائي، بخلاف ما يقابل ذلك من تكرار بالنسبة للآخرين"؛ (p22، 1995).

 تعريف "دوكتيل" (De Ketele 1996) ليحدد أن هذه المشاكل أو الوضعيات ينبغي أن تكون من نفس "الصنف"؛ حيث تسمح بضبط الكفاية في مجموعة منظمة ومرتَّبة من الأنشطة تُطبَّق على محتويات في فئة من الوضعيات لحل بعض المسائل التي تطرحُها هذه الفئة".

ويأتي تعريف "دوكتيل" و"رويجيرز(De Ketele et Roegiers.2000) كترتيب لمزايا هذه التعاريف كلها؛ بحيث يؤكد على أن "الكفاية هي إمكانية تعبئة - بكيفية باطنية - لمجموعة مندمجة من الموارد بهدف حل صنف من وضعيات -مسألة.

بمعنى آخر: الكفاية تسعى إلى ترسيخ بعد التعلُّم الذاتي - البنائي لدى المتعلِّم، من خلال تعبئة وتوظيف ما تلقاه في الفصل (من معارف، ومهارات، ومواقف، ومنهجية)، وما اكتسبه في حياته اليومية لحل وضعية مشكلة في إطار عملية التقويم.

2- التأثيث الإبستمولوجي لمنظومة المفاهيم المرتبطة بالكفايات:
غالبًا ما يتم الخلط بين مفهوم الكفاية وبعض المفاهيم القريبة منها، وبالخصوص المهارة، والأداء، والاستعداد، والقدرة.

ولإزالة اللبس الحاصل بين هذه المفاهيم ومفهوم الكفاية، سنقومُ بمحاولة تحديد هذه المفاهيم قبل تحديد المفهوم المفتاح في هذا العمل (الكفايات)، علمًا أنه حسب ما وصلت إليه نتائج الدراسات في علوم التربية، فإن الحدود تبقى غير نهائية[3]:
1- المهارة (Habilité):
هي مجموعة من الأداءات والإنجازات التي تساهم في تجلِّي القدرة، وهي الأداء المتقن القائم على الفهم[4].

2- القدرة (la capacité):
القدرة نشاطٌ فكري ذهني، وهي الحالة التي يكون الفرد فيها متمكنًا من النجاح في إنجاز معين؛ كالقدرة على التحليل، والتركيب، والمقارنة، والتأليف، ونذكر مثلاً:
التحليل (تحليل نص جغرافي، تحليل نص أدبي، تحليل نص تاريخي).
التفسير (تفسير سوء توزيع المواد الاقتصادية، تفسير دور البُعْد التاريخي في تركز السكاني...).

3- الأداء/ الإنجاز: (Performance):

يعد الأداء والإنجاز ركنًا أساسيًّا لوجود الكفاية، ويقصد به إنجاز مهام في شكل أنشطة أو سلوكات آنية ومحددة، وقابلة للملاحظة والقياس، وعلى مستوى عالٍ من الدقة والوضوح، ومن أمثلة ذلك الأنشطة التي تقترح لحل وضعية - مشكلة.

4- الاستعداد (Aptitude):

الاستعداد هو تأهيل الفرد لأداء معيَّن، بناءً على مكتسبات سابقة؛ منها القدرة على الإنجاز، والمهارة في الأداء، ولذلك يعتبر دافعًا للإنجاز؛ لأنه الوجه الخفي له، وتضاف إلى الشروط المعرفية والمهارية شروطٌ أخرى سيكولوجية، فالميل والرغبة أساسيان لحدوث الاستعداد.

جدول رقم3: خصوصيات القدرات والكفايات حسب التوجيهات التربوية الرسمية:
المقاربة
القدرات
الكفايات
الخصوصيات
المجال
تتعلق بكل المواد
خاصة بمادة واحدة
مستوى الهدف
هدف عام
هدف نهائي
مستوى التحكم
نسبي (تنمى مدى الحياة)
مطلق
القابلية للملاحظة والتقويم
غير قابلة
قابلة

3- بيداغوجيا الكفايات، ومرجعيتها:
لقد "استورد" التنظير التربوي مفهومَ الكفايات من ميدانين مختلفين:
ميدان الألسنة؛ حيث كان "نعوم تشومسكي" يستعمل هذا المفهوم منذ سنة 1971م للدلالة على قدرة الفرد على بناء عدد لا متناهٍ من الجُمَل".

ميدان الاقتصاد وتكوين الأطر؛ وهي ضاغطات أصبحت تطالب المؤسسة المدرسية بالرفع من مردوديتها وجودتها، بدأت الأدبيات التربوية (البيداغوجية) منذ مطلع التسعينيات تهتمُّ بمفهوم الكفاية وتخصص له حيزًا مهمًّا من بحوثها ومنشوراتها"[5].

ظهرت المقاربة بالكفايات في التعليم التقني والمهني لبعض الدول المتقدمة في نهاية السبعينيَّات من القرن العشرين، وانتقلت تدريجيًّا إلى التعليم الأساسي، ثم إلى باقي الأسلاك التعليمية.

اعتمدت العديد من الدول السائرة في طريق النمو هذه المقاربة في إطار سياسات الإصلاح منظوماتها التربوية منذ بداية هذا القرن[6]، لذا "يمكن رؤية الكفاية كموجة عارمة ذات مغزًى؛ لكون المدرسة في نهاية القرن العشرين بحثت عن رهانات جوهرية"[7].

نجد في الأدبيات التي تناولت المقاربة بالكفايات، تعددًا لمعاني "الكفاية"، وفي هذا الصدد يقول "فيليب بيرينو"(Perrenoud): "... لا أحد ينكر أنه لا يوجد تعريف توافقي لمفهوم الكفاية، البعض يرى أن هذا التوافق غير ضروري، والبعض الآخر يرى أن التمييز بين الكفاية والقدرة واهٍ، ويختلف من مؤلف لآخر..."[8].

بيداغوجيا الكفايات.. وتياراتها التربوية:
توصلت "خديجة واهمي" - الباحثة في ديداكتيك التاريخ - إلى وجود تيارين أساسيين[9]:
الأول: التيار الحصري (exclusif):
ويُمثِّله كل الباحثين والتربويين الذين يرون أن المقاربة بالكفايات تمثل قطيعة مع المقاربة بالأهداف، ويرون أنها تنبني على البنائية والسوسيوبنائية؛ إذ يرى "لوبوطيرف(le boterf)، مثلاً أن الكفاية هي معرفة التصرف (savoir agir)، بمعنى معرفة إدماج وتعبئة وتحويل مجموعة من الموارد (معارف، علوم، قابلية، استدلالات...)، في سياق معين، سواء لمواجهة مختلف المشكلات التي تتم مصادفتها أو لتحقيق مهمة.

ويرى "جونائرت" (Jonnaert) والمجموعة أن الكفاية هي "أن يستخدم شخصٌ في وضعية ما، وفي سياق محدّد، مجموعةً متنوعة ومتناسقة من الموارد، استخدامًا ينبني على تعبئة واختيار وتنظيم هذه الموارد، وعلى عمليات ملائمة تمكن من معالجة ناجحة لهذه الوضعية.

ثانيًا التيار المتضمن (Inclusif):
يُمثِّله الباحثون والتربويون الذين يرون أن المقاربة بالكفايات تُمثِّل امتدادًا للمقاربة بالأهداف، وأنها تنبني على عدَّة نظريات من بينها "السلوكية"، نجد هذا التيار في بعض المناطق من أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية.

ظهر هذا التوجُّه الذي عُرِف في البداية بـ"المقاربة بالكفايات الأساسية" في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، من خلال أعمال "دو كيتيلDe Ketele الذي حدَّد فيها مفهوم "الهدف النهائي للإدماج"، وقد تمثل مجموع كفايات خلال سنة واحدة.

ويعرف (Rogiers.X)- مدير "بياف" - الكفاية كالتالي:
"الكفاية هي إمكانية شخص ما تعبئة مجموعة مندمجة من الموارد؛ من أجل حل وضعية - مشكلة، تنتمي إلى فصيلة وضعيات معينة".

ويؤكد "بيرنو" (Perrenoud (1996، أن الكفاية تختص بثلاثة مؤشرات أساسية:
1- القدرة على تعبئة المعارف والمهارات الشخصية، كلما واجه الفرد وضعية -مشكلة جديدة.

2- القدرة على نقل المعارف والمهارات الشخصية داخل وضعيات جديدة.

3- القدرة على إدماج هذه المعارف والمهارات قصد إيجاد حلول ملائمة وتوظيفها لحل المشاكل المطروحة عليه.

وعلى ضوء ذلك توصَّل أحد الباحثين التربويين إلى أن إدخال الكفايات إلى المناهج المدرسية سيُفرِز ثورة كوبرنيكية داخل المؤسسة المدرسية، وسيجعلها تبعًا لذلك، قادرةً على مواجهة تحدِّيات القرن 21، وخاصة تحديات الجودة؛ وذلك أن بيداغوجيا الكفايات هي الكفيلة بمدِّ المتعلم بالقدرة على فهم الواقع وتطويره، وذلك بتدريبه منذ حداثة سنِّه على اتخاذ القرار الملائم، وابتداع الحلول القادرة على المشاكل الجديدة التي تعترضه أو تطرح عليه[10].

خلافًا للبيداغوجيا التقليدية التي تؤكد على المعارف وعلى طريقة تعليمها وتعلمها داخل الفصل المدرسي، فإن بيداغوجيا الكفايات تمتاز بنظرة جديدة للتربية والتعليم، كما تمتاز فلسفة بيداغوجيا الكفايات بخمس خصائص:
جدول رقم4: الفلسفة الجديدة لبيداغوجيا الكفايات وخصائصها[11].


المؤشرات
الخصائص
بيداغوجيا الكفايات
المناهج الدراسية
- بناء الكفايات وتطويرها عِوَض تراكم المعارف وتجميعها.
- تطوير المراقي العليا: التحليل والتركيب والتطبيق.
التعلم المدرسي
- تعلم الكفايات عِوَض تكديس المعلومات وحفظها.
- جعل المتعلِّم يتوجه نحو القضايا المعيشية قصدَ تحليلها وفهمها وتطويرها.
التقويم
- التقويم التكويني.
- التقويم المعياري (المعايير)، والابتعاد تدريجيًّا عن التقويم الانطباعي.
المدرس
- الانتقال من الإلقاء السلبي إلى تعليم المتعلمين على اكتساب كفايات جديدة.

المتعلم
- بناء المعارف انطلاقًا من وضعيات مشكلات.
- جعل المتعلم محور العملية التعليمية - التعلُّمية.
تدبير الفصل الدراسي
اعتماد البيداغوجيا الفارقية - بيداغوجيا حل المشكلات.
الانفتاح على المحيط الخارجي
- ربط المتعلِّم بمحيطه المحلي انطلاقًا من وحدة دراسية.
- الخرجات الدراسية، التواصل الاجتماعي.
- الانفتاح على الأندية التربوية - عقد شراكات تربوية.


[1] وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، 2006، دليل المقاربة بالكفايات، الطبعة الأولى، الرباط، دجنبر، ص14.
[2] للتوسع في الموضوع الرجوع إلى:
Perrenoud, Ph (1999), Dix nouvelles compétences pour enseigner. Invitaton au voyage , Paris , ESF
Olivier Reboul, Pour une pédagogie des compétence, in Qu’est-ce qu’apprendre ? PUF, Paris , 3eme edition.
[3] وزارة التربية الوطنية والشباب ، الكتابة العامة، مديرية المناهج، محمد بلكبير وآخرون، بيداغوجية الكفايات مصوغة تكوينية، / وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الاطر والبحث العلمي، دليل المقاربة بالكفايات، المرجع السابق.
[4] Dictionnaire encyclopédique de l’éducation et de la formation, Ed.NATHAN, 1981,P 181
[5] Houssaye Jean. Rey (Bernard). Les compétences transversales en question. In: Revue française de pédagogie.Volume 120, 1997. Penser la pédagogie. pp. 191-192.
[6] - خديجة واهمي، ماي 2010، المقاربة بالكفايات: مدخل لبناء المناهج التعليمية، مجلة دفاتر التربية والتكوين، العدد2، ص22.
[7] Romainville, Marc, les implications didactiques de l’approche par compétences, Enjeux, 2001, p51
[8] Perrenoud,Ph., 2000, l’école saisie par compétence, in Boman, C.Gerard,F –M et Rogiers ,X ?, Quel avenir pour les compétences ? Bruxelles, De Boek, pp.21-41
[9] خديجة واهمي، ماي 2010، مرجع سابق، ص ص 22-23
[10] أحمد شبشوب،2004، مقاربة الكفايات، مجلة علوم التربية، العدد 27، ص30.
[11] اعتمدنا في إعداد هذا الجدول على كتابي:
-Bernard Rey,(2001), la notion de compétence dans les référentiels scolaires, Communication au congrés de l’A .E.L.S.E- lille .
- Bernard Rey,(2001), les Outils d’évaluation des compétences de l’enseignement secondaire. ULB. Conférence liège.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/81323/#ixzz5BJj54HMM

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: موسوعة علوم التربية 2016 © سياسة الخصوصية تصميم : كن مدون