تحميل الكتاب

السبت، 31 مارس 2018

التربية الإيجابية: 8 مبادئ بسيطة تصنع شخصية عظيمة


التربية الإيجابية: 8 مبادئ بسيطة تصنع شخصية عظيمة

 "إن من أهم الأهداف الإنسانية هو الشعور بالانتماء والتأثير"  ألفريد أدلير
هذه المقولة هي المبدأ الأساسي في نظرية التربية الإيجابية التي صاغها أدلر وتلميذه دريكرز وكانت الأساس الذي طورت من خلاله «جين نيلسن» أبحاثها في مجموعة كتبها عن «التربية الإيجابية» والتي كانت نبراسا للعديد من الآباء والمربين والمعلمين حول العالم، إن التربية الإيجابية تهتم بعدة مهارات مثل الفاعلية في العلاقات والتأثير في الحياة والانضباط الذاتي والقدرة على التحكم في النفس وفهم المشاعر الشخصية، كما تحث على كل ما ينمي المشاعر الإيجابية لدى الطفل وينحي المشاعر السلبية جانبا، وفيما يلي تلخيص لمبادئ التربية الإيجابية وفقا ل«جان نيلسن».

1. الاحترام المتبادل

وتتلخص مبادئ الاحترام المتبادل بين الآباء وأبنائهم على الموازنة بين نموذج الحزم واللطف، فالحزم يكون باحترام الكبار واحترام متطلبات الموقف واللطف يكون باحترام الطفل واحتياجاته. إن الأطفال يرتاحون أكثر في البيئة التي تحكمها قوانين أو مبادئ واضحة يحترمها الجميع، إن القوانين يجب أن يشارك في وضعها الأطفال كما يجب أن تطبق على الكبار كما الأطفال وهذا يصنع احتراما متبادلا وثقة كبيرة في الأبوين، ويجنبك الكثير من الجدل والغضب الناتج عن الحزم في المواقف الصعبة.
أيضًا من أهم مسببات الاحترام ثقافة الاعتذار من الأبوين عند الخطأ، فهي تؤكد للطفل أنه طرف فاعل في المعادلة لا مجرد مفعول به، وتشعر الطفل بأنك إنسان مثله يخطئ ويصيب مما يجعله يحاول إصلاح أخطائه بطريقة فاعلة بدلا من الحلول الإرضائية، فقط عامل طفلك بلطف وكن مقرا لمشاعره ولكن بحزم فيما يتوافق مع مصلحته ومصلحة الأسرة والقوانين الخاصة بها، إن أهم ما يوضح هذا المبدأ كما تقول جان نيلسن هو مقولة : «أنا أحبك، ولكن لا» وهذا ردا على رغبة الطفل في فعل تصرف لا يناسب المصلحة العامة.

2. فهم عالم الطفل

إن طفل الثانية من العمر ليس عنيدا ولكنه يبحث عن الاستقلال ، وطفل التسعة أشهر ليس فوضويا ولكنه يرضي شغفه لاستكشاف ما حوله ، وطفل الرابعة ليس كاذبا ولكنها مرحلة الخيال ! إن الثقافة التربوية هي التي ترشدك لتلك المعلومات ،إن معرفة مراحل تطور الطفل النفسية والبدنية تجنبك الكثير من الصدامات مع الطفل الذي يمر بمراحل نمو حساسة لها متطلبات محددة قد يسيء فهمها الوالدان نظرا لنقص معلوماتهما حولها.
فعلى سبيل المثال الطفل في العام الأول من حياته يبحث عن الثقة والأمان ، فكلما ألصقته الأم بها في الشهور الأولى من عمره ، كلما كان أقدر على الاستقلال عنها بعد ذلك لأن الاستقلال سينبع من ركيزة قوية يشعر بها وهي الأمان، وهذا بالطبع على عكس ما قد يعتقده البعض خطأ في عدم حمل الطفل الدارج والاستجابة السريعة له عند البكاء حتى لا يعتاد ذلك.

3. الإنصات الفعال ومهارات حل المشكلات

التعاطف مع الطفل هو من أهم مبادئ التربية الإيجابية،  وهو ما تسميه جان نيلسون أحيانا «التواصل قبل التصحيح»، إن هذا التواصل له قواعد منها الاستماع الجيد وإظهار التعاطف بتعبيرات الوجه ونبرات الصوت ومشاركة الطفل مشاعره وأفكاره عند الحاجة، وعدم إصدار الأحكام ، وتوصيف مشاعره ومساعدته في فهمها مما يجعله يستطيع التعامل معها لاحقا ، مثل: «يبدو أنك شعرت بالظلم!».
كما أنه من المفيد مساعدة الطفل على إيجاد حلول تنبع من نفسه لا من والديه ، وذلك بطريقة الأسئلة لا بطريقة التوجيه المباشر ، كأن تقول: «هل ترى أن الغضب حل مشكلتك؟ كيف تحب أن تواجه تلك المشكلة في المرة القادمة؟»، إن مثل هذه الأسئلة تجعل الطفل يدرك أبعاد الموقف وأحقيته في مشاعره مما يجعل من السهل عليه إيجاد حلول لما يواجهه من مشكلات بمفرده لاحقًا.

4. التشجيع بدلا من المدح

إن التشجيع هو أحد وسائل التهذيب القيمة جدا، والمقصود بالتشجيع هنا هو تشجيع الفعل الحسن لا مدح الطفل ، كأن تقول: «لقد أصبحت ماهرا في حل هذه المسألة»، لا أن تقول: «أنت عبقري!» إن الاكتفاء بإصدار تعبيرات التفهم، مثل: «مممم، أرى أنك منهمك في عملك»، تؤدي على المدى البعيد آثارا أفضل بكثير من مدح الطفل المستمر بصفات غير ملازمة له.
سيؤدي ذلك إلى مشكلة كبيرة تتلخص في أن الطفل سيبحث دائما عن حافز خارجي لفعل التصرف الصحيح، وستكبر هذه المشكلة معه مما يجعله شخصا يعتمد على غيره حتى يشعر بالرضا النفسي والإنجاز، وقد ينتج عنه شخص منافق يسعى لإرضاء غيره بفعل مالا يقتنع به. أما مدح الفعل فإنه يشجع الطفل على تعلم المزيد وهو يشعر بثقة في نفسه وقدرة على الإنجاز ، ومن مشاكل المدح أيضا أن توقفك عنه و قيامك بالذم وقت الفعل الخاطئ يوصل شعورا للطفل بأن حبك له مشروط بإنجاز الفعل الصحيح، مما يشعره بعدم الأمان في علاقته معك.

5. فهم الاعتقاد خلف السلوك

إن لكل سلوك ظاهري للطفل (خاصة السلوكيات السيئة) أفكار داخلية راسخة نشأ عنها هذا السلوك ، فمثلا رد الفعل الغاضب الدائم من الطفل – الذي قد يبدو انتقاما – قد يكون سببه الشعور بالإحباط الناتج عن انتقاد الطفل الدائم من الأبوين ، هذه الرغبة في إظهار شخصية قوية قد تخبئ خلفها شخصية هشة ضعيفة لا تشعر بالأمان.
إن التربية الإيجابية تحث على تغيير المعتقدات بدلا من التركيز على تغيير السلوك الظاهري لكي لا يكون التغيير مؤقتا قبل أن يعود السلوك للظهور، فاختيار الحلول الفعّالة على المدى البعيد يثمر عنه تغيير المعتقدات ومن ثم تغيير السلوكيات الخاطئة واستبدالها بسلوكيات أفضل، فنوبات الغضب مثلا هي سلوك سلبي ينتج عن طفل يشعر بالإحباط، قد يكون الحل الفاعل على المدى القريب هو أن تعطيه كل ما يريد – أي أن تقوم برشوته- حتى يهدأ، وحينها سيتكرر الفعل دائما طلبا للمزيد، بينما الحل الفاعل على المدى البعيد هو أن تخبره بأنك تقر مشاعره ورغبته في الفعل ولكنك لا تستطيع الاستجابة له الآن حتى يهدأ أو تتغير الظروف، وحينها سيتعلم السيطرة على رغباته وتهدئة نفسه بنفسه.

6. العواقب لا العقاب

أسلوب «العاقبة» من أنجح طرق التهذيب وهو أن نجعل لكل تصرف خاطئ عاقبة تتناسب معه هي بمثابة نتيجة مباشرة ومنطقية له، كأن تكون عاقبة إساءة استخدام الألعاب (تكسيرها مثلا) هو أخذها بعيدا مع الإشارة لأسباب هذا التصرف منك – وأن تخبره أنها متاحة حين يود استخدامها استخداما جيدا -بدلا من العقاب البدني أو اللفظي أو حتى النفسي – كالتجاهل أو وضع الطفل في ركن العقاب – فكل هذه الطرق تفاقم الأمور وتنتج شخصية مشوهة أما ساخطة أو متمردة أو منسحبة أو ترغب في الانتقام، وكلها نتائج سلبية لا يود الأبوين الوصول إليها بالطبع.
على عكس أسلوب العاقبة التي يتبعها تفسير منطقي مما يجعل اعتراض الطفل عليها – إن وجد – اعتراضا مؤقتا يتبعه قناعة بأن هذا التصرف من والديه كان حكيما وعادلا، أما التساهل فإنه – على عكس المتوقع – يجعل الأطفال الذين لديهم حرية مطلقة في صنع ما يفعلون بدون إرشاد وتوجيه، لا يشعرون بالأمان لأن القوانين تعطي إحساسا باهتمام الوالدين ومسؤوليتهم تجاه الأطفال.

7. التركيز على الحلول بدلا من اللوم

الطفل عندما يخطئ يسيطر عليه الشعور بالذنب والعجز ، ولومك له يزيد داخله هذا الشعور ولا يجعله يحسن التصرف في المرة القادمة، إن الطفل ينتظر منك أن تشركه في اقتراح حلول للمشكلة الناتجة عن خطأه ، مما يعزز عنده مهارات حل المشكلات ويرسخ عنده الثقة في قدرته على تجاوز الأزمات على المدى البعيد ، إن الصراخ وكثرة اللوم لن تغير السلوك بل ستؤدي إلى طفل محبط ينتقص من نفسه ولا يحب سماعك في المرات القادمة لأنك تزيد مشاعره السلبية تجاه نفسه، وأسوأ ما يمكن أن يفعله الآباء هو قولبة أطفالهم بصفات قد تصبح لصيقة بهم مع تكرارهم لها مع كل خطأ، كأن يخبر الوالدان الطفل أنه «مهمل» أو «فاشل» أو «لا يحسن التصرف أبدا» فهذه القولبة عواقبها وخيمة.

8. الأطفال يتصرفون بشكل أفضل عندما يشعرون بشعور جيد

تقول جان نيلسن : «إن الطفل سيء السلوك هو طفل ينقصه التشجيع»، وهناك عوامل أخرى تساعد في جعل شعور الطفل جيدا ، مثل تقدير أفكاره وشكره على مجهوداته واجتماعات الأسرة الدورية والاجتماعات الخاصة بالطفل وأحد والديه التي تناقش ما يمر به الطفل ويشغل فكره ، ومجرد العناق الصامت!
إن هذه البيئة للتربية الإيجابية ينتج عنها تعليم الطفل مهارات الحياة والمهارات الاجتماعية لبناء شخصية سوية وفعالة ، مثل الاحترام وحل المشكلات والاستقلالية والتعاون ومراعاة شعور الآخرين، وكل هذه المهارات تلزم مناخا جيدا يشعر فيه الطفل بأهميته كفرد فاعل مؤثر ومشارك فيما حوله.

التربية بالقدوة


التربية بالقدوة


كثيرا ما يظن الناس أنَّ التربيةَ تكون بالأمر والنهي والضرب والزجر، وهذا وإنْ كان صحيحا، إلا أنه ليس أنجعَ الوسائل ولا أوقَعَها في نفوس الناس عامة، والصغار خاصة، وقد درجَ الناس على حُبِّ مَنْ يُحْسنون إليهم ويعطفون عليهم، وأولُ المحسنين إلى الإنسان – بعد الله تعالى – والداه؛ إذ هما مصدر العطف والحنان الأولُ، بل هما أصلُ الإحسان في الدنيا، كما قال شوقي في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فإذا رَحِمْتَ فأنتَ أمٌّ أوْ أبٌ
هذانِ في الدنيا هما الرُّحَماءُ

كما أنَّ الإحسان يَسْتَرِقُّ الناس، ويجعلهم كالخاتم بأيدي المُحسنين إليهم، وقد قالوا: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم، فإذا سَلَّمْنا بهذا، وعَرَفْنا أن رأس المسئوليات وأعظمَها بالنسبة للآباء هي تربيةُ جيل صالح، يخدم هذه الأمة، وينتشلها من هوة الجهل والتخلف التي هَوَت فيها – صار لزاما علينا التنبيه على شرف هذه المسئولية، وسبيلِ إحراز أجرها.

غَيْرَ أن الأهداف العظيمة تحتاج وسائل عظيمة، فعلى شرف المطلوب يكون شرف الطرائِق والوسائل، ولن نَحِيد عن الصواب إنْ قلنا إن تربية أبناء صالحين مصلحين هي أشرفُ وأعظمُ عبادةٍ على الآباء القيام بها – بعد تعليم أبنائهم أركان الإيمان والإسلام –، كما عليهم بَذْلُ الغالي والنفيس في سبيلها، فقد قال ربنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم 6] وإذا صلح الأبناء كانوا عونا للمسلم على طاعة ربه، بَدَلَ أن يعينوا عليه الشيطان، قال عز وجل في محكم التنزيل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن 14] وقال في السورة التي قبل هذي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [المنافقون 9] ولا يُتَصَوَّر أن يكون الأولادُ فتنةً تصد العبد عن الطريق المستقيم إلى ربه – إلا إذا كان هؤلاء الأولادُ غيرَ صالحين، ولم يُنَشَّؤُوا تَنْشِئةً إسلامية صالحة.

وإذا تقرر ما سبق، فلسائل أن يسأل: كيف نُرَبي أبناءنا؟ والجواب يسير، قد دَلَّنَا كتابُ الله عليه في غير ما آية، ففي سورة الأحزاب قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ ﴾ [الأحزاب 21] وقال في موطن آخر: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ [الممتحنة 4] وقال أيضاً: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الممتحنة 6] فهذه الآيات وردت في سياق حثِّ المؤمنين على الصبر في الحق، والثباتِ على الهدى، وأنَّ المسلمين لهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ لأنه كما قالت عائشة رضي الله عنها: كان خلقُه القرآن.

ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أَوَّلَ العاملين بما يُوحَى إليه من ربه، وبما يَسُنُّه من الخلال الحميدة في سُنَّتِه – لمَا أخرج لنا الصحابةَ بما هُمْ عليه من علوِّ الهمة وسموِّ الأخلاق ونُبْلِ النفس. ولأن الإنسان فُطِرَ على تقليد من يحب فإن الأبناء يقلدون الآباء كما اتبع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحبهم له، ومعرفتِهم صدقَ دعوتِه رضوان الله عليهم أجمعين، حتى لقد كانوا يتأسون به في كل صغيرة وكبيرة، سواء في هيئات جلوسه وركوبه... مما أباح الشرع فيه للناس ما شاؤوا من الهيئات، سِوَى ما فيه مَضَرَّة فقد نهى عنه.

ولهذا كان على الوالدَيْنِ قبل أن يأمروا وينهوا النظرُ في أفعالهم هل تطابق أقوالهم، فمحال أن يأمر الأبُ أو الأمُّ الأبناءَ بالصلاة وهما لا يصليان، ثم يمتثلَ الأولاد هذا الأمر، إلا إنْ كان الصغارُ حين فتحوا أعينهم وجدوا آباءهم يصلون الصلاة في وقتها، ويحرِصون على تحصيل فضلِها بالخشوع والطهارة... إلخ

وقد لا يَحتاج الآباءُ إلى الكلام في حضرة الأسوة، لماذا؟ لأن الأسوة فِعلٌ مُحَسٌّ مُشاهَد، والكلامَ قول مجرد، والنفوس في أصلها ميلٌ للمُحَسِّ، ونفورٌ وبُعْدٌ من المجرد، لذلك ترى الطفل وهو في سنواته الأولى كلما قام أبوه نحو غرفته، سارع وسابق أباه نحو السجادة، وجلس يقلد حركاته وإنْ كان لا يفقه منها شيئا، فإذا كَبُرَ لم يَحتج معه والده كثرةَ الكلام وإغلاظَ القول، حتى يصليَ ذاك الصبي الذي كان يسابق أباه نحو مصلاه.

وقل مثل هذا في الصدق والحياء والوفاء والبعد من الفواحش، وما أكثرَ المغريات في هذا الزمن الذي يقوم فيه بَدَلَ الوالدينِ كثيرٌ من الموجِّهين، فهناك التلفاز والأنترنيت وغيرُهما من وسائل التواصل الاجتماعي، فإذا لم يكن الوالدان خيرَ قدوة لأبنائهما بأفعالهما، فمن المستحيل عقلا أن يَغْلِبَ قولٌ قولين أو ثلاثة أقوال، إلا إذا كان قولُ الوالدَيْنِ فعلا ينظره الأبناءُ في حياتهم سلوكا وامتثالا لشرع الله.

على أننا ننبه إلى أن بعضهم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، وغيرُه قدوة، والفرق بينهما أن الأسوة تكون أنموذجا يحتذى في نواحي الحياة كلها، وهذا لا يصدق إلا على مَن اصطفاهم الله لرسالته وخصهم بفضله العميم؛ ولأنهم معصومون، لذلك كان الرسل أهلا للأسوة، أما القدوة فقد يكون صالحا في باب أو بابين من الحياة، لكنه يُقَصِّرُ عن مراتب الكمال في باقي وجوه الحياة، وهذا هو السر وراء كون رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوةً، وكونِ غيرِه من أفراد الأمة قدوة. هذا ما ذهب إليه بعض، ولكن هذا مخالفٌ لظاهر الآية ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الممتحنة 6] إذِ الضمير راجع إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام والذين آمنوا معه.

إنَّ أنجعَ الوسائل للتربية تلك التي يراها أبناؤنا وفلذات أكبادنا في أفعال آبائهم وسلوكهم، فيفعلون ما يفعلُه الآباء تقليدا ابتداء، واستنانا – لمَّا يكبُرون – انتهاء. وأولُ هذه الأخلاق التي على الوالدين غَرْسُها في أولادهم الصدقُ ومراقبة الله في السر والعلن، فلا خُلُقَ ولا رِفْعةَ للكاذب، ولا للذي يَظهر أمام الناس الصلاح، فإذا خلا إلى نفسه أتى كلَّ قبيح، كما أن التربية الحسنة تقتضي أن لا نَحْمِلَ أبناءَنا على كل حَسن دفعة واحدة، لأن النفس ملولة والشيطان يزيغها بالاستدراج، لذا فهي تنقاد له، ولهذا فليس عيبا أن نرى في سلوك أبناء المسلمين بعض الهنات؛ لأن هذا لا يستقيم إلا مع مرور الزمن وطول التربية والصبر على ترويض النفس.

على أننا لا نتصور التربية ضرباً ومشقة وحِدَّةً، فهذا يُنَفِّرُ الأبناءَ، ولكن خيرُ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، الرؤوفِ الرحيمِ بالمؤمنين، الذي ما نهر أنسَ بن مالكٍ رضي الله عنه ولا قال له لشيء فعله لِمَ فعلتَه، ولا لشيء تركه لِمَ تركتَه، فقد كانت حياته كلُّها دروسا ومواعظَ، فلم يَحْتَج مع هذا إلى كثيرِ كلام ولا إلى عصا يرعب بها الكبار ولا الصغار، ولنا فيه خير أسوة، وإن احتجنا أحيانا للقسوة فليس إلى حد الضرب المبرح، فقد جعل الله لكل شيء قدراً.

وفي الختام نسأل الله أن يصلح ذريات المسلمين؛ حتى يكونوا هداة مهتدين، ينصرون هذه الأمة ويزيلون عنها ما خنق أنفاسها من الجهل والضلال، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/126395/#ixzz5BKn6nWZy

ظاهرة الغش المدرسي والمسؤولية المشتركة


ظاهرة الغش المدرسي والمسؤولية المشتركة


تعتبر ظاهرة الغش في الوسط المدرسي من المشاكل التي تنخر العملية التربوية، وهذه الظاهرة يجب التصدي لها بكل الوسائل، فالمقاربة العمودية لمحاربتها لا يمكن أن تؤتي أكلها، وذلك راجع إلى مجموعة من الأسباب، إنما المقاربة الناجحة هي تلك التي يكون المتعلم محورها، وطرفاً فيها، إذ لا يمكن أن نتحدث عن الإصلاح في المدرسة خارج المقاربات الحقوقية، والتشاركية، والتعاقد آلية ناجحة من الآليات التي يجب نهجها عند الحديث عن الظواهر المدرسية.

إن المتعلم بصفته محور العملية التعليمية التعلمية لا يمكن أن نحمله النتيجة دونما مراعاة للأسباب، لأنه قبل الخوض في كل مشروع تربوي يجب أن نستحضر كل المرجعيات النظرية المؤطرة لهذه العملية، و الملاحظ أنه حينما يتم الحديث عن الغش في الفصل يتم الحديث عن المتعلم متهمًا؛ في حين تتم تبرئة كل الأطراف الأخرى المساهمة في العملية من أسرة، ومدرس،... مع العلم أن هذه الأطراف تبقى مساهمة في كل أطوار العملية من مدخلاتها إلى مخرجاتها إما بصفة مباشرة، أو غير مباشرة.

تساهم الأسرة بصفتها المتدخل الأول في العملية بقسط وفير في تنامي هذه الظاهرة، بحيث إن الأبوين عوض أن يلعبا دور الموجه، والمرشد، يفضلان دور الجلاد الذي يعاقب كلما كبا هذا المتعلم، حيث يسأل حين دخوله المنزل ( كم علامة حصلت عليها؟ ) عوض أن يوجه السؤال على النحو التالي: ماذا درستم اليوم في المادة الفلانية؟ بحيث يضطر المتعلم من حيث لا يشعر إلى أن يسترجع مكتسباته، وهذا يساعده كثيراً في البقاء على اتصال بالقسم، إن هذه الطريقة تساعده في تيسير عملية التعلم، ثم إنه يتجاوز تلك العصا التي تهدده دائماً.

ومن جهة أخرى فمن الآباء من يُشعر ابنه أنه مجرد مشروع استثماري يجب أن يعود بالنفع، حيث تجده يحاسبه بقوله: أصرف عليك نقوداً كثيرة لتحصل على هذا المعدل؟ " متناسياً أنها واجباته، وأنه هو من يوجه هذا المتعلم متجاهلاً ذكاءاته، حيث إنه لا يكلف نفسه عناء اختبارها لمعرفة التوجه الصحيح الذي سيأخذ فيه، إضافة إلى هذا كله فالمتعلم في هذه الحالة يجد أن المعدلات هي الغاية الأسمى، وأنه لا أهمية للوسيلة، حيث تبقى النتيجة إرضاء الأسرة بأية طريقة.

ومن جانب آخر فالمدرس يساهم بالقسط الوفير في تنامي هذه الظاهرة، لأنه يخلق هالة تشتت انتباه المتعلم عند إجراء الاختبار (إياكم والغش...سأفعل كذا وكذا إن غش أحدكم...) لدرجة أن يتركز انتباه المتعلمين على أنه ليس اختباراً معرفياً بل يوم حساب، وكذلك الشأن في عملية التصحيح حيث يركز على المعطيات الرقمية، لا على تعثرات المتعلمين، ويحاول معالجتها؛ ليقف على مكامن الخلل في الممارسة المهنية.

إن المدرس بصفته قائداً للفصل يجب أن يكون مربياً، ومرشداً لا محاكماً جلاداً، وعليه أن يقف على تعثرات التلاميذ، لا أن يختصرهم في مجرد أرقام لا يمكن أن تعكس قيمة المتعلم، لأن الجانب السيكولوجي للمتعلم قد لا يكون مستقراً بسبب ما تعرض له من ضغوطات في المنزل، وقبل إجراء الاختبار.

ويبقى واجباً أن ينظر إلى عملية التقويم نظرة مغايرة للنظرات التقليدية، حيث يكون المتعلم وسيلة للحصول على النقط، والأحرى أن يكتسب آليات التعلم التي قد تسهل عملية تعلمه مستقبلاً. وتحقيق التواصل يبقى أمراً ضرورياً بين كل الأطراف للوقوف على نقاط القوة، والضعف لمعالجتها في ظل مقاربة تشاركية تراعي أهمية قدرة المتعلم، واحترام رغباته.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/126405/#ixzz5BKm7LIcW

المدير النشيط


المدير النشيط


يشرب فنجان قهوة على شرفة بيته، وبصره يجول في الآفاق، اختار أن يقطن في البادية، حتى يبتعد عن ضوضاء المدينة وصخبها، بعدما قضى حياته كدَّا وشقاءً وتعباً، يريد أن يرتاح، ويمنح جسده فرصة لأن يتنفس، ويشحن قواه من جديد.

أفنى عمره في سلك التعليم حيث تدرج فيه من أستاذ إلى ناظر ثم مدير، كان نشيطاً فعالاً مقداماً، لا يهدأ له بال إلا وكل الأمور مضبوطة، ساعده على ذلك صحته التي تمتع بها، فلقد كان طويل القامة عظيم الهامة، يبعث قده على الهيبة، وهو من أسرة ثورية أباً عن جد، فأحس نفسه من نسل كريم، عليه أن يواصل مسيرته، كسلسلة مترابطة الحلقات، يرتبط بعضها ببعض ارتباطاً وثيقاً.

عندما أصبح مديراً، كان ينصح كل من يلجأ إليه ويطلب المساعدة، فقد رأى أنه يمثل القدوة، وعليه أن يقوم بهذا الواجب كما هو مطلوب منه، تجده على رأس عمله من الصباح الباكر، كالأسد الجؤور الذي يهز صوته كل من يطرق أذنيه، إن لم يتحل بهذه الروح،
 كيف سيكون حال بقية من يعملون بالمؤسسة؟! 
أدرك ذلك إدراكاً تاماً، وعمل على تجسيده على أرض الواقع، بدقة متناهية النظير.

أحب الأولاد وعرف كيف يتعامل معهم، فهو يعلم أنهم صغار ويحتاجون إلى الشدة أحياناً والرأفة والتفهم والمسايرة أحياناً أخرى، لبس رداء المربي عن حق، فكان أباً ثانياً لهم، يوجههم ويربيهم، ويبين لهم الطريق الذي يجب أن يسلكونه في هذه الحياة، أراد منهم أن ينهلوا من العلم ما استطاعوا، وأن يتفاعلوا مع من يدرسونهم، بإيجابية ورغبة في التعلم والدراسة.

سار على مبادئ اكتسبها على مدىحياته الطويلة، قطع أشواطاً فيها، فرسمت على جبينه التجاعيد، ورغم هذا لا يكل ولا يمل، بل كان دوماً بنفس الروح الفعالة، يقضي أيامه في الريف يفلح الأرض، ويتذكر الأيام الخوالي مع التعليم، إنها مسيرة حياة ثرية، وتستحق التنويه والالتفاتة، كان شمعة مضيئة في وقت تتلبد فيه الظلمات، فأضاءت مؤسسته وخَرَّجت أجيالا تقدر قيمة العلم، هذا ما كان يهدف إليه، ولقد حقق ما أراد، هو يرتاح ومن حقه الراحة، فهذا أقل جزاء يستحقه من سعى إلى نشر العلم والمعرفة، إنما التكريم والعرفان بالجميل، سيكون أجمل وأروع، ويقذفان في الفؤاد شعورا بالرضا، وأن مجهوده ذاك الذي بذله، لم يذهب سدى.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/126466/#ixzz5BKjyBN4E

كيف تشحن قوتك من جديد؟


كيف تشحن قوتك من جديد؟

إننا في هذه الحياة نتعرض إلى مصاعب شتى، وفي بعض الأحيان تصيبنا بالإحباط الشديد، رغم أننا قمنا بما علينا، وأدينا واجباتنا كما يجب، إلا أن الظروف المحيطة بنا، تبدو لنا وكأنها تعيدنا إلى نقطة الصفر في كل مرة، لضعف يكمن فينا.

سأعمل عبر هذا الموضوع، إلى تبيان كيفية تحديد مكمن الخلل ومعالجته، فبقاء الفرد منا على هذه الحال، غير مطَمئن إطلاقاً، وسيبقى مقيداً بها، وهي في الحقيقة وهم، لا أكثر ولا أقل.

اختر صديقاً مقرباً إليك، تراه يتشارك معك في الأفكار والرؤى، وتجد فيه الروح القريبة من روحك، واعمل على التواصل معه والحديث بصراحة، فستستفيد منه ويستفيد منك، فكثير منا يتشارك الانشغالات نفسها، وتبادلك الآراء مع غيرك، يجعلك تتشجع أكثر فأكثر، لأنك لم تكن تجد فقط الشرارة، التي تُطلقك نحو تحقيق أهدافك.

من الأفضل لك أن تبحث عن الحلول الواردة بخصوص مشاكلك، وتجدها في بطون الكتب أو على الشابكة أو من خلال أهل الاختصاص في علم الاجتماع، ومثل هذه الخطوة تدل على نضجك الفكري، فبإلقاء نظرة بسيطة على دول الغرب، التي لم تترك تفصيلاً إلا وألقت عليه الضوء، نجدها تهتم بالعامل النفسي للإنسان اهتماماً بالغاً، للرفع من معنوياته ومنحه الشحنة التي يحتاجها في مسيرته، ولا بد أنك لاحظت مقدار تلك الدروس والنصائح والإرشادات التي لديهم، فهي لا تُلقى اعتباطا! بل لها هدف لا يستهان به، ومن العجيب أن ساسة بعض تلك الدول، لهم مستشارون بهذه الخاصية، لأن تركيبة البشر معقدة، وكما هم محتاجون إلى الدواء لعلاج المرض العضوي، للنفس أيضاً حقها الذي يجب أن تُمنحه، وهي فطرة فطرنا عليها.

أفضل طريقة لك للحصول على الهدوء النفسي، الخلوة بين الفينة والأخرى، ولا تفكر فيها إلا بالأمور التي تسعدك، فأنت تستغل الفرصة للراحة التامة، لتُقبل بعدها على ما ينتظرك من تحديات، فكل عمل يتوجب عليك تأديته، لا بد له من التحضير، وتَجَهُّزك يتم بترتيب أفكارك وتعديلها وتوجيهها التوجيهَ الذي يليق بتفاعلك مع محيطك والتغيير فيه.

اشحن قلبك بطاقة إيمانية، واعلم أنه مهما بلغت من القوة والارتقاء تبقى ضعيفا، فاهتمامك بهذا الجانب، يجنبك السقوط الحر، وهي نقطة الصفر التي تناولتها في بداية هذا الموضوع، فالحذر كل الحذر منها، فهي تُعطّلك وتُكبّلك، فيَتهيأ إليك أن ما تقوم به لن يجدي نفعا، ما دمت تعود بعدها على الدوام إلى المحطة الأول!

وأخيراً، إياك ثم إياك أن تلقي باللوم على ظرف ما أو إنسان ما أو فرصة ضائعة ما، فلو كنت تفكر بهذا الأسلوب، فهو دليل على ضعفك، لأن الاسترسال مع الشكوى، سيُدخلك في دوامة، ولن يعجبك أمر بعدها، وهذا غير مقبول بالنسبة لمن هو يريد أن يكون مثالاً يحتذى به، ويَقود ولا يَنقاد، فإن كنت من الداخل هشًّا، كيف لك بالتغيير فيمن حولك! فتَجاوز هذه المرحلة، إلى مرحلة تعبر عن ثباتك وعزيمتك وصلابة شخصيتك.

أن تمد ذاتك بالطاقة، يمثل بالنسبة إليك صِمَام الأمان، وأنت بحاجة إليه، فتركيبتك ليست كالآلة، بل أنت عبارة عن كتلة من المشاعر والأحاسيس المتقلبة، وضبط تفاعلاتها الكيميائية بتمارين يومية بسيطة، يُمكّنك من الوصول إلى الاستقرار النفسي، وهو النقطة الحساسة لتحقيق النجاح.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/126523/#ixzz5BKiNtZ6l

رخصة قيادة النفس البشرية


رخصة قيادة النفس البشرية


إنَّ الخبيرَ بطبائع النفس البشريَّة لا شك أنه يُعاني في قيادتِها إلى المعالي والمكارم، وهي تجاذبه إلى التسفُّل والمآثم.

ولهذا العناد مِن جانب النفس البشريَّة ردَّةُ فِعلٍ تختلف باختلاف البشر وثقافاتهم؛ فالبعض أَخَذَتْه الأَنَفة والحميَّة مِن تمرُّد نفسِه عليه واستعصائها على أمره وهي بين جنبَيْه، فقرَّر أن يقودها إلى المعالي موثقةً بالحبال، وأن يسومها سوء الوبال، ولا يترك للرِّفق بها مجالًا، والبعض رأى أنَّ قسوتَه على نفسه ثقيلةٌ فتحلَّل مِن كلِّ قيد، واحتال للتفسُّخ كلَّ حيلة، غير أنَّ العقلاء من البشر كانتْ لهم النظرةُ الحكيمة والرياضة الرحيمة، فحدوا نفوسهم رويدًا رويدًا إلى عزِّها بلا معارك أليمة، ولا خسائر جسيمة، فتربَّعت نفوسُهم على قمم الجبال وهي ترفل في مجاهدةٍ يغلِّفها الدلال؛ فكانت نفوسهم كحصان جامح هائج في الفلاة لا تزيده المطاردة إلا شُرودًا، فتناولوا حزمةً من حشائش الأرض وقرَّبوها إليه وهم يغنون ويتدلَّلون، حتى أتى إلى الشكيمة بقدميه، وأدخل رأسه إلى اللجام وهو فرح يهُزُّ أذنيه، فتوصَّلوا إلى غايتهم بالدَّلال، ونالوا بغيتهم بالاحتيال.

وقد كان سيد البشر صلى الله عليه وسلم في الذروة العالية من هذه الحكمة؛ أليس هو القائل: ((إنَّ المُنبتَّ لا أرضًا قَطَعَ ولا ظهرًا أبقى))، وهو القائل: ((فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا))، والذي أرمي إليه من تلك المقدِّمة هو: التطبيق العمليُّ لصورٍ من تدليل النفس والرفق بها حال الرغبة في الرُّقيِّ بها وتربيتها، وقد كنت دائمًا ما أدلُّ طلابي على البدايات السَّهلة؛ ففي مجال الخطوط العربية كنتُ أجعلهم يبدؤون بثلاثةِ أحرفٍ متشابهةٍ، ثم جملة ذات كلمات قليلة، إلى أن يتوصَّلوا إلى الإتقان والإحسان.

وفي مجال الرياضة كنتُ أُشجِّع الكسالى القابعين خلْفَ شاشات الحواسيب أن يغمضوا أعينهم ويَفتحوها (40) مرَّةً، ثم يبسطوا أكفَّهم ويقبضوها أربعين مرَّةً مع العدِّ، ثم يبسطوا ذراعهم ويثنوه أربعين مرةً مع العدِّ، وحينها يتدفَّق الدم بسرعةٍ في عروقهم، وتسخن أجسادهم، فأصل بهم إلى برنامجٍ من التمارين الرياضيَّة المتنوِّعة المثمرة بفضل بداياتٍ سهلة، ولو كانتْ طرفة عين مكررة.

وفي مجال الاستيقاظ من النوم - مع لذَّته في الشتاء البارد - كنتُ أرضى من أولادي أن يزيلوا الغطاء فقط، ثم أطلب منهم أن يبدِّلوا جنبهم الذي ينامون عليه، فإذا أفاقوا قليلًا طَلَبْت منهم الجلوس، ثم القيام للوضوء.

ومن عادتي حين تستعصي عليَّ نفسي وتثقل عن تلبية نداء الصلاة أن أزيل مِن أمامها العقبة، والعقبة الكبرى المانعة من الصلاة هي تكاليف الوضوء؛ فكنتُ أحتال لذلك، وأضع طبقًا أو طستًا، وأقوم بالوضوء وأنا جالس مِن أقرب قارورة ماء للشرب تطولها يدي، فكنت أضرب الكسل في مقتلٍ، وأحارب التواني بالحيلة، فإذا توضأت النفس نشطَتْ وقامت إلى الصلاة.

وفي مجال الشِّعر كنتُ أقنع الموهوبين من الشباب بأنَّ الشاعر هو مَن يكتب قصيدةً من بيتٍ واحدٍ بشرط أن تكتمل فيه مقومات الصَّنْعَة، ويبتعد عن التكلُّف، فكانوا يعرضون عليَّ قصائدَ من بيتٍ واحد متقَن ومجوَّد، فأقول لهم هكذا كان الشافعي يكتب قصيدةً من بيتين أو بضعة أبيات، ثم لا يلبث الشباب أن تتوالد أبياتُهم، ويبُثّ الله في هممهم أبياتًا كثيرةً.

وفي مجال طلب العلم - وما أشرفه من مجال! - يكثر فيه اللصوص، ويتكالب عليه قطَّاع الطُّرُق من الهموم والمشاغل والعوائد والعلائق - كنتُ أُوصي معارفي وأصدقائي بأن يأخذوا شيئًا يسيرًا من الحفظ مع المداومة عليه، وأذكر لهم ما رُوي عن حصين، حين قال: جاءت امرأةٌ إلى حلقة أبي حنيفة، وكان يطلب الكلام، فسألَتْه عن مسألةٍ له ولأصحابه، فلم يحسنوا فيها شيئًا من الجواب، فانصرفتْ إلى حمَّاد بن أبي سليمان، فسأَلَتْه فأجابها، فرجعتْ إليه، فقالت: غَرَرْتموني، سمعتُ كلامكم، فلم تحسنوا شيئًا، فقام أبو حنيفة فأتى حمَّادًا، فقال له: ما جاء بك؟ قال: أطلبُ الفقه، قال: تعلَّم كلَّ يومٍ ثلاثَ مسائل ولا تزد عليها شيئًا حتى يتفق لك شيءٌ من العلم، ففَعَل، ولزم الحلقة حتى فقه، فكان الناس يشيرون إليه بالأصابع.

يقول الخطيب البغدادي بعد روايةِ هذه القصة: "وينبغي له أن يتثبَّت في الأخذ ولا يكثر، بل يأخذ قليلًا قليلًا، حسب ما يحتمله حفظُه، ويقرب مِن فَهْمه؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32].

وفي مجال الاختبارات كنتُ أحضُّ طلابي على البَدء بالأسئلة الاختياريَّة السهلة، وتأجيل الأسئلة الصعبة؛ كي يعكف عليها الذهن، ويستفرغ الوُسع والطاقة في التفكير.

وفي مجال قراءة الكتب كنتُ أنصح طلابي أن يرسموا خريطةً ذهنيَّة لفصول الكتاب؛ بمعنى: أن يكتبوا أسماء وعناوين الفصول فقط، فإذا بهم يقعون في فخٍّ من القصص الهادفة والجمل البليغة السائغة، فيتصفَّحون أغلب الكتاب، ثم يعودون ليقرؤوه كاملًا.

وفي مجال الدراسة والشهادات دائمًا أقول لكلِّ قريب مني: إنَّ دخول الاختبار شرف كدخول المعارك، وإنْ لم تربحها فقد اكتسبتَ لقب فارس، فكانوا يدخلون كثيرًا من الاختبارات وإن لم يستعدُّوا لها، ويرسبون، ثم يقومون ثم يحاولون إلى أن يأذن الله لهم بالتفوُّق والنجاح والفلاح.

وفي مجال ختمات القرآن الكريم كنتُ أقول لطلابي الكسالى عن القراءة والترتيل: تعالوا نَقُم ببرنامج اسمه فَتْح المصحف، فكنَّا نتعاهد ألا يمرَّ يوم علينا دون أن نفتح المصحف وننظر فيه، ثم نغلقه مرَّةً ثانيةً، وقد أثمرت هذه الطريقة ثمارًا طيبةً؛ فمرَّةً كانوا يفتحون المصحف ويُغلقونه سريعًا، ومرةً يهمسون ببضعِ آياتٍ، ومرةً ينهون صفحةً من السورة، وتارةً يقرؤون السورةَ كاملةً؛ لكنَّ شعورَهم أنهم غيرُ مضغوطين، وأنَّهم أدَّوا أكثرَ مما طُلِب منهم كان يدفعهم إلى المضيِّ قدمًا، بالإضافة إلى وعد الله بالإتيان هرولةً لمن يأتيه ماشيًا، وهكذا يلهم اللهُ الحكمةَ مَن يشاء، فيقود بها نفسَه وأنفس الآخَرين إلى المعالي بلا شقاء؛ قال تعالى:﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴾ [طه: 1 - 4].

وفَّقني الله وإياكم إلى استخراج رخصةٍ لقيادةِ نفوسِنا بلا حوادث ولا صدمات إلى جنَّات النَّعيم مع الصدِّيقين والشهداء والصالحين.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/125484/#ixzz5BKh6ZFDb

كيفية تنمية الطموح عند المتعلمين


كيفية تنمية الطموح


• الإنسان يُولد وتتولَّد معه مواهبُ كثيرة، وطاقاتٌ هائلة وجبَّارة، وإمكانات تَجعله قادرًا على النجاح، فكل إنسان لديه إمكاناتُ النجاح، ولكن نجاحَه يتوقَّف على قدرته على تفجير مواهبه، واستثمار إمكاناته، فإذا ما أساء الإنسان معرفتَه بنفسه، وإذا ما أخفق باستثمار ما أعطاه الله؛ فلا بد أن يكونَ الفشلُ حليفَه!

وأختنا الكريمة التي ستدخل معنا في سباق النساء هي المرأة الطموح.

• والطُّموحُ هو: السعيُ إلى تحقيق الأهداف والغايات، ويعني: "أهدافَ الشخص أو غاياته، أو ما ينتظر منه القيام به في مهمة معينة"، أو هو: المستوى الذي يرغب الفرد في بلوغه، أو يشعر أنه قادر على بلوغه، وهو يسعى لتحقيق أهدافه في الحياة وإنجاز أعماله اليومية.

إلا أن تحديدَ مستوى الطُّموح بأنه الوصول إلى هدف معين فحسب يعدُّ خطأً؛ لأنَّ الإنسان قد يصل إلى الهدف المحدَّد خلال سنة أو سنين محدَّدة، ومن ثَمَّ يقنع بما وصل إليه ويقف عنده، مما يعني نهايةَ الطموح وبداية الانهيار؛ ذلك أن مَن لا يتقدَّم يتأخَّر عن اللحاق برَكْب المتقدمين؛ لذا فمِن الضروري جدًّا أن يكون للإنسان طُموحٌ بلا حدود.

• والطموح اللامحدود يعني: "أنه كلما حقق الإنسان طموحًا سعى إلى طموح آخر، وهلم جرًّا، حتى يرتقيَ أقصى سُلَّم النجاح"، والفوز العظيم بالجنة؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آل عمران: 185]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71].

إنَّ الطموح اللامحدود يزرعُ في الإنسان رُوح المثابَرة والجد والاجتهاد، كما يُحفِّزه على التفكير الجاد والتخطيط الدقيق، ويخلُقُ فيه رُوح الابتكار والإبداع، وذلك بهدَف الوصول لأهدافه التي رسَمها في الحياة.

فالطموح إذًا هو مدخل للنجاح؛ لأنه يُفجِّر في الشخص الطاقاتِ الكامنة، ويدفعه نحو استنفارِ كلِّ قُواه العقلية والبَدنية والنفسية، مِن أجل تحقيق مآربه في الحياة، ولكن:
كيف ننمي طموحنا؟
فمِن أجل تنمية الطموح ورفع مستواه لا بد مِن توافر ما يلي:
أولًا: التطلُّع إلى الأفضل، والبحث عن الأسمى، والتفكير في الأحسن.

ثانيًا: عُلُو الهمة.
إذ إن الهمة العالية تُنمِّي في الإنسان الطموحَ، كما أنها مِن مقوماته، فلا طموحَ لمن لا همة له، ولا نجاحَ لمن لا طموح له[1].

يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "قَدْرُ الرجل على قَدْرِ هِمّته"، فالهمةُ العالية تنبت طموحًا رفيعًا، والطموحُ الرفيع يُنبت نجاحًا باهرًا.

ثالثًا: الثقة بالنفس:
الثقة بالنفس من المُقوِّمات الرئيسة لكل مَن ينشُدُ النجاح، ويمكن تعريفها بأنها: "الإيمانُ بما تملك مِن قدرات ومواهب وإمكانات، ومن ثَم صَهْرُ هذه القدرات في بُوْتَقة الحياة".

فثقة الإنسان بقدراته وطاقاته، ومعرفته بما أعطاه الله مِن إمكانات وطاقات - كامنة في ذاته، وقناعته بهذه القدرات والمواهب تُنمي فيه الطموح، أما انعدام الثقة بالنفس، فيُحطم طموح الإنسان؛ إذ كيف يكون طموحًا وهو لا يَثِق بنفسه، كما أن ضعف الثقة بالنفس معناه إلغاء قدرات الإنسان ومواهبه.

يقول علي رضي الله عنه:
دواؤكَ فيكَ وما تشعرُ 
وداؤُكَ منك وما تُبصِرُ 
وتحسبُ أنك جِرمٌ صغيرٌ 
وفيك انطوى العالَم الأكبرُ 

فكوني أيتها الأخت الكريمة على ثقةٍ تامَّة بأنكِ تملكين خزائنَ كثيرة، ومستودَعات كبيرة، بها مِن القدرات والطاقات والمواهب ما يُؤهِّلك أن تُصبحي امرأةً عظيمة، وهذه الثقة هي نواةُ الطموح، وخاصة أننا نعيش حياةَ الانفتاح مِن جهة، ونُواجه حضارةً مغايِرة مِن جهة أخرى، فكان لا بد للمرء المسلم أن يسعى نحوَ العلوم الشرعية والثقافة الإسلامية، ثم الشمولية، وأنواع المعارف الأخرى؛ ليعلوَ فوق هذا التيار.

 ولا شك أن أهمية بناء الأسرة وبناء العَلاقات الاجتماعية - أمرٌ هامٌّ، إلا أنَّ هذا لا يكفي، وإنما هنالك أرقى مِن ذلك وأسمى، ألا وهو أن تكوني رمزًا اجتماعيًّا يقتدي بك القريب والبعيد، فيعمُّ الخير الذي عندك.

• ويبقى السؤال عن علاج اللامبالاة والفُتور وضَعْف الهمة سؤالًا واقعيًّا، والجواب عنه واجبٌ؛ لأن طلب الكمال سُنة المؤمن، واتهام النفس بالتقصير علامةٌ إيمانية، وفخرنا بالخيرية والسمو على أناسٍ يَشُوبهم النفاق، لا على قوم مؤمنين.

• وأهمية كلامي هذا هو وضع موازينَ وقواعد؛ لأن النفوس مختلفةٌ، ولكل نفس هُوِيَّتُها الخاصة، وهذه الاختلافات تنشأ مِن حقيقة أن كل نفسٍ مُركَّبة مِن صفات شتى، صفات خير وصفات شر، وفَهمُ التركيبِ النسبيِّ للنفوس هو إحدى أهم القواعد في التعامل مع النفس في كلِّ أحوالها، كما أن هذا التركيبَ الذي تتكوَّن منه نفس شخص ما ليس دائمًا، بل له تغيُّر كبير وواضحٌ في كل حقبةٍ، بل في كل سَنة أو موسم، بل في كل يوم، ولو كانت النفوسُ جامدةً لا تقبل التغيير لما كان للتربية دورٌ ولا معنى، وغالبًا ما يكون هذا التغييرُ بالتطبُّع وقصر النفس على الظهور بمظاهرَ معينة، والقيام بأعمال ثقيلةٍ عليها؛ فتتحوَّل المغالبة إلى عادةٍ ميسورة، وهذا مُستفاد مِن قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس مَعادِن، خيارُهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام؛ إذا فقُهوا"[2].

ولا شكَّ أن الملامة لا تُحرِّك كاسلًا ولا تشفي مريضًا، إذًا لا بد من التفتيش عن الأسباب الخفية ومعرفة الثغرةِ، وخاصة وأن بعض أسباب الفتور نفسية، وبعضها نتيجة لأمراض القلب، وهي مجتمعة في حب الدنيا وكراهية لقاء الله عز وجل.

• فإذا كنتِ - أيتها الأخت الكريمة - تُعانين من ضعفٍ في ثقتك بنفسك، فعليك أولًا أن تُحدِّدي أسباب الضعف، ثم تبدئي بعلاج ذلك، وذلك بالقضاء تدريجيًّا على كل عوامل الضعف في ذاتك، ثم حاوِلي أيضًا أن تكتشفي نقاطَ القوة فيك، واعلمي بأنها كافيةٌ لتزويدك بالثقة التامة.

• إن ثقة الإنسان بنفسه، واستعانته بالله عز وجل، تُؤهِّله للاستفادة بما أعطاه الله تعالى ومنَّ به عليه مِن طاقات مُهمَلة، وهي المدخل لكل مَن يريد النجاح في ميادين الحياة المختلفة، أما عندما تنعدم هذه الثقة ويشعُرُ المرء بعدم قدرتِه على النجاح، ولا يملك الثقة بنفسه، ويَنهار أمام ضغوط الحياة النفسية والاجتماعية وغيرها، فسيدخل في نفَقٍ مظلم لا نهاية له؛ لأن الثقة بالنفس تعطي صاحبَها مزيدًا مِن الإصرار على النجاح، ومَزيدًا مِن المثابَرة والفاعلية للوصول لأهدافه، كما أنَّ الثقة بالنفس تُعدُّ العامل الأكبر في سَحْق كل ما تَنْفَطِر عنه النفس مِن مشاعر الخوف والقلق والخجل.

وتأكَّدي تمامًا أنكِ مخلوقة كرَّمها الله عز وجل وأعطاها الكثير مِن المواهب، وما عليها إلا أن تستثمرها وتستفيد منها، ثم صادقي الصديقات الواثقات مِن أنفسهن، واكتسِبي منهن الثقة بالنفس، اقرئي كثيرًا عن حياة العظماء والقادة والزعماء، واستفيدي مِن تجارِبهم في الحياة، فهذا كفيلٌ بأن يزرعَ الثقة بنفسك، وتوكلي على الله؛ ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3].


[1] كتاب: "طور نفسك وغيِّر نمط حياتك"؛ للشيخ أسامة بن محمد بدوي البرَّاجة.
[2] أخرجه البخاري ك: "أحاديث الأنبياء" ب: قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ﴾ [يوسف: 7]، ح: "3383"، ومسلم ك: "فضائل الصحابة" ب: "خيار الناس" ح: "2526" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/125694/#ixzz5BKfwpZqb

ما العوامل الكفيلة بتحقيق تعليم ناجح؟


ما العوامل الكفيلة بتحقيق تعليم ناجح؟


كما لا يخفى على الكل، فإن المنظومة التعليمية في أي بلد لا بُدَّ أن تتوافر فيها عواملُ معيَّنة؛ لتضمن نجاحها ونجاعتها، والتي من دونها يستحيل أن يصل التعليم إلى أهدافه؛ بل ربما تضيع كُلُّ الجهود سدًى، ولا نصل إلى اقتطاف الثمار المرجوَّة من خلال هذا المسار الطويل.

 من الضروريِّ الاهتمام بالأستاذ ومنحُه حقَّه؛ سواء المادي أو المعنوي، وعندما نتحدث عن الجانب المادي، فإننا نقصد به الأجر الذي يتقاضاه، فهذا الأستاذ أو المعلم ربُّ عائلةٍ ويعول من هُمْ تحت كفالته؛ لذا يجب توفير الحماية لكرامته وصيانتها، وعدم تركه في حاجة إلى أي أحد كان، أما الجانب المعنوي، فنقصد به المكانة التي يتمتَّع بها في المجتمع الذي يعيش فيه، والنظرة التي يُنظر بها إليه، فهو مُربِّي الأجيال، وعن طريقه يتخرَّج النشْء القادر على تحمُّل المسؤوليات والاضطلاع بها؛ ولهذا يجب أن يُعَدَّ الدور الذي يقوم به أهَمَّ دورٍ في المجتمع، وألَّا تُمسَّ قيمتُه أبدًا؛ إنما يجب التركيز دومًا على الرَّفْع من قَدْره، والإشادة بما يقوم به من عمل جبَّار.

 الاهتمام بالتلميذ ومنحه الأولوية، لكن ليس على حساب مُعلِّمه، فيجب إدراك أن طرَفَي هذه العملية ليسا متناقضين أو متضاربين؛ إنما هما متكاملان، فالتلميذ هو من يتعلَّم على يد أستاذه، وحثُّه على احترامه وتوقيره من الأساسيات الموجودة في المنظومة التعليمية، ويبقى الأستاذُ مُربِّيًا له ومُلقِّنًا، وقيمةُ التربية هنا عالية؛ لأنه يمارس بها دور المربِّي والأب والمرشد، وقد يُقدِّم تضحياتٍ جسامًا حتى يفهم ذلك التلميذُ - الطفل أو المراهق- قيمةَ النصائح الموجَّهة إليه من قِبَلِ أستاذه.

 توفير الجو الملائم للدراسة؛ لأن المناخ العام في المدارس أو المجتمع ككل - يلعب دورًا في تفعيل نجاعة التعليم فيه، فيجب أن ترقى النظرة إلى العلم، ومن الضروريِّ أن يُدرك أولياء التلاميذ أن على عاتقهم مسؤوليةً ضخمةً بمتابعة المسار التعليميِّ لأبنائهم، وعدم الاتِّكال والاطمئنان، فالتلميذ يبقى شابًّا صغيرًا، وعَلاقته بأُستاذه منحصرة في القِسْم، فمتابعة ما يقوم به في الشارع مُهِمٌّ؛ حتى يبقى دائمًا تحت السُّلْطة الأبويَّة حتى بلوغِه سِنَّ الرُّشْد، وقدرته على اقتحام مصاعب الحياة باقتدار.

 تشجيع التلاميذ والأساتذة على حدٍّ سواء؛ فالتكريم والعرفان بالجميل يتركان في قلب المرء أثرًا بالغًا، فالتلميذ الذي حقَّق تحصيلًا دراسيًّا طيبًا يجب تشجيعُه؛ حتى يُواصِل السير على هذا المنوال، أمَّا الأستاذ الذي أفنى عمره في ميدان التعليم، وتشهد له النتائج المحقَّقة بما قام به من خلال مشواره -فيستحق التكريم فعلًا؛ فهو إنسان ومن حقِّه الشعور بأن المحيط والمجتمع يُقدِّرانه، رغم أنه لم يُؤدِّ إلَّا واجبَه، وأجرُه من الخالق سيكون أهمَّ وأثمنَ بالنسبة إليه.

 التواصُل الدائم بين الأساتذة ومُديري المؤسَّسات التعليمية وأولياء التلاميذ؛ فهذه الأطراف الثلاثة هي مرتكز التعليم، والتكامل بينها سيسدُّ أيَّ مجال للثغرات، فيجب أن يكون هناك حوارٌ دائمٌ ما بين الأستاذ وإدارته ووليِّ التلميذ، وعدم خَلْق جوٍّ من التشاحُن الذي قد يُعقِّد الأوضاع؛ لأن مجال التعليم يختلف عن المجالات الأخرى في القطاع العام، فمحوره الثروة البشرية، وهي بحاجة ماسَّة إلى الاهتمام المعنويِّ، ومن أبرزه الإحساس بالتكامُل بين الأطراف التي ذكرتُها سلفًا، بينما اتِّباع منطق الرئيس والمرؤوس لن يكون كفيلًا بالوصول إلى ما نرمي إليه، فالانسجام والتوافُق هما السبيل الأمثل لاقتطاف الثمار اليانعة.

من الواجب إدراك أن المنظومة التعليمية هي كالحلقات المترابطة؛ فصيانتُها والعمل على توفير الانتقال السلس بينها - يجعلها تتفاعل وتسير بيُسْرٍ؛ بأن يعرف كل طرف ما له وما عليه، ويحكمهم القانون الذي يحفظ لهم هذه المكانة، وهكذا تتَّضح الأمور، ولا يحسُّ أي أحد كان أن حقَّه قد هُضِمَ، أو أن النظرة الموجَّهة إليه ليست بالقدر الكافي الذي يُريده، وهنا أقصد المعلم حصرًا، فهو يستحقُّ الاهتمام اللازم، والدورُ الذي يقوم به هو أهمُّ دورٍ، وأيُّ مساسٍ به هو مساسٌ بصُلْب المجتمع ونواته المستقبليَّة، ألا وهو النشْء والأجيال الصاعدة التي تحتاج إلى تربية وتعليم وتوجيه، ولأولياء الأمور دورٌ مُكمِّل لكل هذا، والإدارةُ هي التي تحفظ حبل الودِّ والعلاقة الطيبة بين جميع الأطراف.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/125940/#ixzz5BKf370jQ

القراءة المقطعية وأثرها في بناء التعلمات


القراءة المقطعية وأثرها في بناء التعلمات


بعد تجريب أسلوب القراءة المقطعيَّة من طرف بعض المدرسين، وبتوجيه بعض المهتمِّين بالشأن التعليميِّ، تبيَّن أن هذا الأسلوب يمكن أن تكون له مخرَجاتٌ إيجابيَّة؛ كسهولة قراءة الحرف، ثم الكلمة، ثم الجملة، ثم النص، فما القراءة المقطعيَّة باختصار؟!
القراءة: معناها تحويل الحرف والكلمة المكتوبة إلى صوت، والمقطعيَّة: منسوبة إلى مقطع، وقطعة، ومعناه جزء من شيء، وبالنسبة لنا فإن المقطع هو جزء من كلمة؛ أي: هو الحرف.

ويمكن أن نعرِّف الطريقة المقطعيَّة: بأنها طريقة تقوم على تسهيل القراءة وتيسيرها، مع معرفة الحرف وحده أولًا، ثم في إطار الكلمة، ثم في إطار الجملة، وبالتالي في إطار النص ككل.

وحَرِيٌّ بنا أن نشير إلى أن هذه الطريقة لاقت تفاعلًا كبيرًا مع المتعلمين، وخصوصًا على مستوى المستويات الأولى من التعليم الابتدائي؛ إذ يؤكد المهتمُّون بالشأن التعليميِّ أن هذه الطريق تتألَّف من خمسة محدِّدات تتفاعل فيما بينها، وهي: (الوعي الصوتي، والتطابق الصوتي الإملائي، والطلاقة، واكتساب المفردات، والفهم القرائي).

ومنه نفهم أن الصوت هو ما يتعيَّن على المتعلم أن يعيَه ويتقن إخراج الحرف، دون إرفاقه بالحركة القصيرة أو الطويلة أو التنوين - انطلاقًا من سماعه له - وذلك على مستوى الأجهزة الصوتية: "الفم واللسان، والشفتان والحلق، والأسنان واللثة والحنك"، وهذا يحصل بمحاكاة المعلم، ثم بعد ذلك يتعيَّن على المدرس أن يطلب من المتعلم أن يكتب الحرف "المصوَّت" - بفتح الواو وتشديدها - بغية التطبيق الإملائيِّ، وهذه العملية حتمًا ستُكسب المتعلِّمَ إخراجَ الحرف من الأجهزة الصوتية بطلاقة، وذلك هو الهدف المأمول.

كما أن هذه الطريقة تجعل المتعلم يكتسب كثيرًا من المفردات؛ لأن التدريب والمران على الحرف في إطار الكلمة يُعينه على التعامل مع مفردات عديدة، وبالتالي فهو يستوعبها بشكل غير مباشر، وفي نهاية هذه العملية يكون المتعلم قادرًا على فهم المقروء.

بقي أن نشير فقط إلى أن هذه الطريقة - التي اعتبرها بعض التربويِّين "جديدة" - أن المسلمين كانوا سبَّاقين إليها، وتمثَّلَ ذلك في القائمين على تحفيظ القرآن الكريم، حيث كانوا يعتمدون على تلقين الحرف وحده، مع الرمز للحرف ووصفه ببعض الصفات؛ حتى يترسَّخ لدى المتعلم؛ كقولهم: "الألف لا ينقط، والباء نقطة من تحت، والخاء نقطة من فوق..."، فكان ذلك الترميز مهمًّا للمتعلم ليستوعب الحرف بطريقة سهلة وسريعة، وهذا ما يروم إليه أغلب المهتمين بالشأن التربويِّ الآن.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/125944/#ixzz5BKaga2CV

مبادئ التعلم في قصة موسى والخضر عليهما السلام


مبادئ التعلم في قصة موسى والخضر عليهما السلام


إنَّ التأمُّل في قصة موسى والخضر عليهما السلام الوارد ذكرُها في سورة الكهف، والتدبُّر في مجريات أحداثها، وما حفلت به من دلالات وإشارات قويَّة تتعلَّق أساسًا بموضوع التعلُّم - يُمكن أن يوصل إلى استنباط أهمِّ المبادئ والأسس التي يمكن أن نشيِّد عليها صَرْحَ تعليمنا، ونتخذها لَبِناتٍ أساسيَّةً في كلِّ فعل تربويٍّ نروم من خلاله تحقيقَ الجودة وإعداد متعلِّمين سمتهم الأساسيَّة الجد والمثابرة، وفيما يلي بيان لأهمِّ هذه المبادئ كما نَطَقَت بها الآيات الكريمات:

 التضحية في سبيل التعلُّم: ذلك أنَّ موسى عليه السلام تَرَكَ أهلَه وأصحابَه وبلدَه، وخرَج طالبًا للعلم إلى وجهة لا يعلمها إلا علَّام الغيوب سبحانه وتعالى، مستعدًّا لضرب أكباد الإبل، وتحمُّل جميعِ أنواع المشاق في سبيل التعلُّم بعد عتاب الله تعالى له، فيما أَخْرَجَه البخاري رحمه الله في صحيحه، عن أُبَيِّ بن كعب، قال: خَطَبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنَّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسُئِل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يردَّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنَّ لي عبدًا بمَجْمَع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا رب، فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فَقَدت الحوت فهو ثَمَّ))؛ (صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام)، وهي التضحية والمشقَّة التي دلَّ عليه قول الله تعالى: ﴿ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60]، ثم بعد ذلك: ﴿ قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴾ [الكهف: 62].

 الحاجة إلى المعين: ذلك أنَّ موسى عليه السلام عندما عزم على الخروج لطلب العلم اختار فتى ليرافقه يقال: إنه يُوشع بن نون، والذي كانت وظيفتُه حَمْلَ الزاد، وإعداد الأكل، وما إلى ذلك من الأمور التي إذا ما قام بها طالبُ العلم بنفسه ربما فوَّتت عليه أوقاتًا ثمينةً للتعلُّم.

 الرغبة الجامحة في التعلُّم: ذلك أنَّ موسى عليه السلام رغم مكانته العالية وعلمه وتأييده بالوحي من الله عز وجل؛ فإنه امتثل لتوجيه ربِّه تعالى، وخرج باحثًا عن الرجل (الخضر) الذي سيتعلَّم على يديه، وكله لهفة وشوق للعثور عليه، وهو ما تحقَّق عند الصخرة؛ حيث فُقِد الحوتُ ليُبادر بمجرَّد العثور عليه إلى تقديم طلبه قائلًا: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66] مؤكدًا على رغبته ولهفته: ﴿ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 69].

 التواضع: فموسى عليه السلام عندما التقى بالخضر لم يقل له بعبارة فجَّة: أنا موسى نبيٌّ في بني إسرائيل، وقد بعثني الله إليك لتعلِّمني فعلِّمْني! كلَّا، لم يقل ذلك، وإنما طلب ذلك بلطفٍ ولين في تواضعٍ تامٍّ قائلًا: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66].

 التعاقد: ذلك أنَّ التعلُّم الناجح هو الذي يفتتح بالاتفاق بين المعلم ومتعلِّميه حول شروط التعلُّم وآلياته؛ ليعرف كلُّ طرفٍ ما لَه وما عليه، بلا إفراط أو تفريط؛ ﴿ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 70]، وقبل ذلك قال موسى: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 69]، فتمَّ الاتفاق، وانطَلَقَت الرحلة التعليميَّة.

 المزاوَجة بين ما هو نظريٌّ وما هو عمليٌّ: ذلك أنَّ الخضر عليه السلام لم يُقعِد موسى عليه السلام وعلَّمه ما شاء الله أن يُعلمه، وإنما انطلق به إلى الميدان؛ ليريه بعد التجارب (خرق السفينة، وقَتْل الغلام، وبناء الجدار)، وذلك إيمانًا منه أنَّ ما سيسمعه موسى وما سيراه لا محالة سيرسخ في ذهنه، بخلاف ما لو ألقى عليه المعرفة إلقاءً جافًّا.

• التأنِّي والتريُّث وعدم التسرُّع في الإنكار أو مقاطَعة المعلم ما لم يُنْهِ كلامه: ذلك أنَّ أيَّ كلامٍ قد يكون له معنى ظاهرٌ وآخَر باطنٌ، والمتعلِّم اللبيب هو مَن يتأنَّى ولا يستعجل حتى تتبيَّن المعاني الباطنة والأسرار والنكت الكامنة وراء كلِّ ظاهر، وقديمًا قيل: "مَن تأنَّ نال ما تمنَّى".

 إمهال المتعلِّم وإعطاؤه فرصة للتعلُّم: ذلك أنَّ موسى عليه السلام عندما أنكر خَرْق السفينة ناسيًا؛ فإنَّ الخضر عليه السلام لم يُقْصِه مباشرةً من التعلُّم، وإنما أعطاه فرصةً أخرى، ليعاود موسى الكرَّة منكرًا ما هو أفظع مِن الخَرْق وهو قَتْل الغلام بلا عذرٍ ظاهرٍ، وذلك نسيانًا منه مرَّة أخرى ليحصل على فرصةٍ أخيرة بعد اعتذاره وطلبه العفو مِن معلِّمه عليه السلام: ﴿ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ﴾ [الكهف: 76].

 احترام المعلم وتقديره: ذلك أنَّ الخضر عليه السلام لقي معاملةً راقيةً مِن طرف موسى عليه السلام من بداية الرحلة التعليميَّة إلى نهايتها؛ حيث وجَدْنا موسى في البداية يطلب اتباع معلِّمه كما سبقت الإشارة إلى ذلك بلطفٍ ولينٍ، دون فرضٍ أو استغلال لمنصب نبوَّته، ثم بمجرَّد ما نسي وأنكر عليه السلام ما أنكر بادَر إلى الاعتذار بتواضع تامٍّ دون تأفُّف أو ضجر، وفي ذلك من التقدير والاحترام للخضر عليه السلام الشيء الكثير.

 إشباع رغبة المتعلِّم ووضع حد لحيرته: ذلك أنَّ الخضر عليه السلام في النهاية لم يفارق موسى عليه السلام إلا وقد بيَّن له كلَّ ما غمض عليه، واضعًا بذلك حدًّا لكلِّ التساؤلات التي جالتْ في خاطر تلميذه وأَرْهَقَت ذهنَه؛ ليقدِّم لنا بذلك نموذجًا للمعلِّم الناجح، وما ينبغي أن يكونَ عليه مِن تفانٍ في أداءِ واجبه شرحًا وتوضيحًا دون كللٍ أو مللٍ، ولو في أصعب الظُّروف.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/126135/#ixzz5BJrN4gU7

حيَّ على النجاح


حيَّ على النجاح


الإنسان بطبعه يعشق النجاح، ويطمح للعزة والكرامة، وينفر من الذل والمهانة، وإن الرغبة في النجاح كافئة في النفس البشرية، فقط يعتريها الكسل والخمول، ويعتليها الوهن والفتور.

فإذا دعا داعٍ للعزة وأذَّن بالحرية نبضت في النفس كرامتها، وتحركت إنسانيتها، فتفزع إلى النجاح، وترى أن كل ما تلاقيه في سبيله أهون بكثير من الذل والاستعباد.

إن الإسلام لا يعرف البطّالين، وإن العالم لا مكان فيه للضعفاء الفاشلين، ولا للكسالى المتواكلين، فلا تكن كَلًّا زائدًا على الحياة، بل عضوًا عاملًا فيها ومؤثرًا عليها.

قال تعالى في شأن الصالحين النابهين: ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون/61]، وقال في شأن الأدعياء والمنافقين: ﴿ وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة/64]، فالكسل ديدن المنافقين.

وقال معلمًا رسوله نبذ الكسل والبطالة: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾ [الشرح/7]، فكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الكسل في دعائه " وأعوذ بك من الكسل والعجز " رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

فاحرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن باب المجد والمكرمات ما زال مفتوحًا على مصراعيه يرحب بأي وافد جديد، فالعالم مليء بالفرص، وما عليك إلا اغتنامها بكل ما أوتيت من قوة ووسيلة.

لا تقل فات الأوان، فلا زالت الفرصة سانحة لديك لتحصِّل اليوم ما عجزت عنه بالأمس، وإن المستقبل كله يفتح أبوابه لك بقرار واحد تتخذه اليوم.

وقوة النجاح تكمن في عوامل ثلاثة:
تحديد الهدف ثم الالتزام والانضباط في السعي لتحقيقه، ثم الإصرار على عدم المضي قُدُمًا إلا بعد نيل مرادك منه..
لا تهرب من مشاكلك، بل واجهها واتخذ قرارك بالعمل على حلها، فالقيادة هي فن اتخاذ القرار
اختر لنفسك أهدافًا تعليك، وتشحذ همتك وتحييك، أهدافًا سامية تستحق العمل لأجلها، والبذل لها، والتضحية في سبيلها.
ثم راجع مسارك بين الحين والحين لتتأكد أنك تسير دون اعوجاج أو ضلال، فلا تنحرف عن مسارك ولا تدري..
انهض الآن ولا تتأخر فيتسع الخرق وتبعد المشقة..

وإن قصة نجاح النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، وانتشاله الأمة من وحدة الضياع والانحطاط، وهدايتها من الإلحاد والجهل والشتات إلى نور الإيمان والقوة والهيمنة والتقدم والرقي الحضاري، ينبغي أن تدرس كأسمى قصة نجاح عرفتها البشرية، فاقتدِ بها إن شئت نجاحًا..

قد يتقلص أعوانك، ويتنصّل لك جيرانك، ويتخلى عنك أصدقاؤك، فلا تبتئس ولا تقف، بل امض ثابتًا شامخًا بعزم كالجبال، واعلم أنه إذا عظُم المطلوب قلَّ المساعد، وأن طرق العلاء قليلة الإيناس.

ضع حدًّا للعبث والعشوائية التي تنخر في حياتك، وامض قوي القلب والروح لا تؤثر فيك الأوهام، ولا تزعجك الحوادث، لا تُصغِ لتخذيل، ولا يوقفك تثبيط، ولا تفتر عن بذل وقتك ومالك وجهدك لتصل إلى بغيتك وتحقيق مرادك.

إذا كان ما تنوي القيام به قد فعله غيرك، فلماذا لا تحذُو حذوه وتنجح نجاحه، لا أحد في هذه الدنيا أفضل منك ولا أقدر على هذا العمل منك، وإذا لم ينجح فيه غيرك قبلك فلِمَ لا تحرز قصب السبق في هذا المجال.. تقدم والله معك ولن يَتِرَك عملك.

إن الناجح قوي العزيمة صادق الوعد؛ لا ينحرف عن نهجه قيد شعرة، ولا يندُّ عن وعد قطعه على نفسه، ولا يخيس بعهد أعطاه، شامخًا ثابتًا، لا يبرح نهجه ولا يتخلى عن مبادئه وأهدافه وغايته، جعل نجاحه ونيل رضا ربه منتهى أمله ومناط حبوره وغبطته.

إن تقاعس المصلحين عن النجاح لا يجني عليهم وحدهم، وإنما على الأمة من ورائهم، فحين يتيه المرشد تضل السفينة، وحين ينام الحارس يصبح ما يتولى حفظه طُعمة للصوص.

وإن أمتنا تنتظر من يوقد في قلبها مصباح الهمة في دياجير هذه الظلمة المدلهمّة، ويحدوها الأمل في طلوع فجر جديد تقوده أنت ومن معك من الناجحين المصلحين، فتقدم ولا تُحجِم، والله حسبك ونعم الوكيل.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/126435/#ixzz5BJnWzu00
جميع الحقوق محفوظة لــ: موسوعة علوم التربية 2016 © سياسة الخصوصية تصميم : كن مدون