تحميل الكتاب

الأحد، 4 مارس 2018

مدارس علم النفس طبقاً لظهورها التاريخي:


مدارس علم النفس طبقاً لظهورها التاريخي:

1 – المدرسة البنائية:
اهتمت هذه المدرسة بتحيليل بنية الشعور وتحليل الخبرة وقد بدأت على يد مؤسس علم النفس الحديث ويليهام فونت، ومن معمله في ليبزج بألمانيا بدأ بإجراء تحليلات منظمة لبنية الشعور عند الراشدين وذلك عن طريق تقسيم الشعور إلى عناصر أولية، ثم استكشاف كيفية تفاعل عناصر الخبرة الشعورية مع بعضها البعض، ولقد توصل إلى أن أفضل طريقة لتحليل الخبرة الشعورية هو الاستبطان، أي مبدأ الملاحظة الذاتية.
وقد انتقد منهج الاستبطان انتقادات خطيرة منها:
1 – أن الفرد إذا حاول أن يقوم بعملية الاستبطان فإن هذه العملية في حد ذاتها تقطع عملية الشعور، وكذلك تسبب تغيير في الحالة الشعورية.
2 – إن البحوث اكتشفت أن نتائج الاستبطان التي قام بها بعض الباحثين بصورة مستقلة عن بعضهم البعض كانت مختلفة، وتصل إلى حد التباين.
3 – إن الأبحاث أثبتت أن عملية الاستبطان ليست عملية موضوعية بقدر ما هي عملية ذاتية، فكل فرد يصف خبرته الشخصية، وكذلك عدم قدرة الباحث اكتشاف مدى صدق أو كذب ما يقوله المفحوص.
4 – إن اللغة لا تعبر بدقة عن الفكر، حيث أن الأفراد يختلفون في قدراتهم في التعبير عن شعورهم.
وفي عام 1930م رفضت الأوساط العلمية المدرسة البنائية تماماً، وعلى الرغم من كل ذلك فإن المدرسة البنائية أفادت في ثلاث نواحي:
1 – أنها قدمت نظاماً علمياً قوياً وبحوثاً في علم النفس.
2 – أنها قدمت منهج الاستبطان للاختبار باعتباره منهجاً علمياً، وكان من نتيجته تحجيم قيمته والبحوث العلمية.
3 – إن المدرسة البنائية تعد مؤسسة علمية ساهمت في ظهور مدارس أخرى لتُعارضها ولتقدم فكراً جديداً.
2 – المدرسة الوظيفية:
تعد أمريكية المنشأ، ومؤسسها وليام جيمس، ولم يكن من التجريبيين، إلا أنه كان يمتلك قدرة فائقة في استنتاج وتركيب المبادئ النفسية لأعقد المشكلات، ولقد بنى اتجاهه الوظيفي كرد فعل للمدرسة البنائية التي كان يعتقد أنها محددة المجال، لقد رفض فكرة الخبرة الشعورية وفي أن هذه الخبرة لها بصمتها وثباتها، إذ أن الخبرة الشعورية بالنسبة له كنهر دائم الفيضان والتغير، وقد صك لأول مرة مصطلح السيال الشعوري.
ولقد تأثر ويليام جمس بفكرة دارون القائلة: "إن الغرائز المختلفة وجميع أجزاء الجسم لا يمكن أن تستمر في بقائها ووجودها، إلا لأن لها وظيفة لبقاء الكائن الحي وهو المبدأ المعروف بأن العضو يموت بموت وظيفته"، وقد اعتبر وليام جمس الشعور بمثابة عضو أضيف من أجل قيادة الجهاز العصبي ولينظم له عمله.
ومن أجل هذه التأكيدات الفلسفية فإن الوظيفيين الذين اتبعوا جيمس أصبحو يهتمون بالكيفية التي يحدث بها التفكير أو السلوك، إنهم يركزون على (لماذا؟) أكثر من تركيزهم على ما يحدث أو ما هو السلوك أو التفكير الحادث؟ وهذا هو في الواقع الحد الفاصل بين البنائية والوظيفية والذي كان من نتيجته أن اتسع نطاق البحث في علم النفس.
وجاء ستانلي هول ليهتم بالنمو النفسي خلال فترة الطفولة والمراهقة ولتكون أبحاثه بداية ظهور علم نفس النمو.
إن علم نفس النمو، وعلم نفس الحيوان، وعلم النفس التربوي وعلم النفس الصناعي، كلها قائمة أساساً على فكرة المدرسة الوظيفية وفلسفتها في أن لكل سلوك ولكل عضو من أعضاء الإنسان وظيفة.
ولم تستطع المدرسة الوظيفية أن تبقى كنظام نفسي محدد إذ تفرع منها العديد من الأنظمة الفرعية والعديد من ميادين علم النفس التي استقلت تدريجياً عن هذه المدرسة.
3 – المدرسة السلوكية:
في بداية هذا القرن أنشأن جون واطسون، نظاماً موضوعياً لعلم النفس أسماه بالسلوكية، ومنذ ذلك الوقت أصبحت السلوكية أقوى المدارس وأكثرها عرضة للجدل العلمي، لقد كان واطسون عالم نفس وظيفي، ولكن اهتدى إلى أن هناك خطأ جسيم في دراسة الإنسان نفسياً، ألا وهو عدم وجود وسيلة موضوعية لدراسة الشعور أو العقل الواعي مما جعله يقول بعدم وجود فروق بين البنائية والوظيفية سواء كان السؤال (لماذا؟) أو (ما؟) مادام المنهج يفتقد إلى الموضوعية، وقد اعتقد بضرورة وجود علم نفس تجريبي موضوعي تماماً، وأن على علماء النفس أن يرفضوا جميع المناهج الذاتية وأن يعتمدوا على ما يلاحظونه وعلى ما يسجلونه.
إن المدرسة السلوكية تعرف باسم على نفس المثير-الاستجابة، كذلك يشار إليها بأنها علم نفس الصندوق الأسود حيث أن واطسن كان يعتبر العقل بمثابة صندوق أسود غامض لا يمكن فحصه واختباره موضوعيا.
ظلت المدرسة السلوكية قوية ومؤثرة في علم النفس الحديث، كما أن لها قيمة علمية هائلة، حيث أن معظم أنواع سلوكنا هو نتاج للبيئة المباشرة من حولنا، لقد بين السلوكيين أن جميع الارتباطات التي نخبرها سواء كانت نتائجها سارة أم لا فإنها تلي أفعالنا، فإن ملاحظتنا لما حولنا هو ما يحدد استجاباتنا، ومن خلال التكنولوجيا السلوكية فإننا يمكن أن نصحح مشكلات سلوكية كثيرة.
وقد أُتهم السلوكيين بأنهم قد أهملوا جوانب هامة جداً من السلوك التي لا يمكن ملاحظتها، مثل الانفعالات، والتفكير، والعمليات اللاشعورية، وأنهم قد أنكروا المشاعر والأفكار بينما اهتموا بعملية التجريب، كما أنهم أُتهموا أيضاً بنظرتهم إلى الإنسان على أنه كائن سلبي وأن سلوكهم يخضع للبيئة وفي هذا إنكار لإنسانية الإنسان وفعاليته وتفرده في التفاعل مع البيئة المحيطة به.
4 – مدرسة الجشطلت:
نشأت هذه المدرسة كردة فعل للمدرسة السلوكية، إن علم النفس الجشطلتي قد يُعزى إلى ظهور الصور المتحركة في البروجكتور، إن البنائيين الذين كانوا يقسمون الخبرة الشعورية إلى أبسط عناصرها الأولية وجدوا صعوبة هائلة في تفسير كيفية رؤية الصور الثابتة صوراً متحركة، ولقد علل البنائيون ذلك بقولهم: "إنه إذا كانت أعضاء الحس من العناصر البسيطة فمن المفترض أن تكون رؤية الصور واحدة واحدة!"، لكن ذلك ليس ما يحدث!، فأي فرد يرى السينما إنما يرى صور متحركة، إن هذا الإدراك الخاطئ للحركة يسمى "ظاهرة فاي".
لقد قال كل من ماكس فرتهيمر وكوهلر، وهما من مؤسسي مدرسة الجشطلت إن "ظاهرة فاي" لا تحتاج إلى تفسير أكثر من أنها ظاهرة حقيقية وأي محاولة لتخفيضها إلى عناصر أبسط إنما تفسدها.
إن هذه العبارة ترفض تماماً أصول البنائية التي تقول إن الإحساس يمكن تقسيمه إلى عناصر بسيطة حتى يمكن أن نفهم.
لقد قرر هؤلاء العلماء أن الخبرة الكلية (الجشطلت بالألمانية) ليست مجموعة أجزائها، بل إن الكل أكبر من مجموع أجزائه وعلى سبيل المثال فإن اللون الأبيض هو نتاج من خلط ألوان ثلاثة بالتساوي هي الأحمر والأصفر والأزرق، كما أن الجشطلت يرون أن خبرة اللون الأبيض أكبر من مجموع أجزائه على الرغم من أنه مكون منها، وهذا اللون هو خبرة في حد ذاته، أي أنه أبيض كما أن خبرة المكونات منفصلة لا تعني أنها خبرة اللون الأبيض!.
إن مدرسة "الجشطلت ـ الخبرة الكلية ـ" ترى أن الإحساس الشعوري يمكن أن تتم دراسته من خلال الخبرة الكلية، وبالتالي فلا داعي لتدريب ملاحظين لذلك، إن قوانين علم النفس بالنسبة لهم هي قوانين أنظمة وليست قوانين أجزاء منها، وقد أسهمت هذه المدرسة إسهامات مؤثرة في مجال الإدراك والتعلم.
5 – مدرسة التحليل النفسي:
تعد هذه المدرسة من أكثر المدارس شهرة في علم النفس وفي خارج هذا العلم، ولقد أسس نظرية التحليل النفسي سيجموند فرويد، وقد قابل تحليل النفس منذ بدايته عام 1895 عاصفة من النقاش والخلافات الفكرية، ذلك لأن بعض مفاهيمة ومبادئه كانت صارمة وتم النظر إليها على أنها جديدة كلية ومع ذلك فشأن كل أفكار جديدة كان للتحليل النفسي دلالته العلمية.
لم تكن مدرسة التحليل النفسي ردة فعل ضد البنائية لأن أصول هذه المدرسة كان من علم الأعصاب والطب،كما أن هدفها كان العلاج وفهم السلوك المرضي، لقد قدم فرويد مفهوم العقل الباطن، كما أقر بأن البشر محكومون بحفزاتهم ودوافعهم المختبئة في اللاشعور.
ويقال إن أكبر ثلاث هزات أثرت في الفكر البشري هي:
1 – توصل كوبرنيكوس إلى أن الأرض ليست مركز الكون بل جرم ضئيل فيه.
2 – ادعاء دارون أن البشر قد انحدورا من سلالات حيوانية دنيا.
3 – قول فرويد أن الشعور لا يسيطر على سلوكنا ولكنه اللاشعور.
اعتقد فرويد أن السلوك المرضي وكل الشخصية الإنسانية يمكن تفسيرها من خلال الدوافع والحوافز اللاشعورية.
ولقد تأثر فرويد بدارون حيث أكد أن للاشعور وظيفة وهي الحفاظ على الأفكار غير المقبولة والرغبات المكبوتة.
ومن أجل ذلك فإن العقل الباطن يمنع عن الفرد معرفة ما به، وأن هناك وسائل علمية للحصول على هذه الأسرار أي نقلها من اللاشعور إلى الشعور، وقد استخدم فرويد وسائل متعددة منها التنويم المغناطيسي، والتداعي الحر وتفسير الأحلام والأخطاء الكتابية وهفوات اللسان، وقد اعتقد فرويد أن التحليل النفسي يساعد في حل الصراع اللاشعوري ويصحح الشخصية والسلوك المرضي.
أوجه النقد لهذه المدرسة:
1 – قصورها الكبير في عملية الضبط العلمي والتجريب.
2 – استخدامها لعبارات عامة، لذلك العلماء لا يعتبرونه علماً.
3 – لا تستطيع تفسير حدوث السلوك.
4 – استنادها إلى وسائل من الصعب إثبات صدقها وصلاحيتها.
إن للتحليل النفسي أهمية تاريخية لا يمكن إنكارها، فقد أسهمت أعمال فرويد في جذب الانتباه إلى مناطق كانت مهملة من قبل علماء النفس، مثل العقل الباطن والغريزة الجنسية والانفعالات والسلوك المرضي والصراع ومرحلة الطفولة.
6 – مدرسة علم النفس الإنساني:
وهي القوة الثالثة في علم النفس باعتبار أن السلوكية والتحليل النفسي هما القوتان الأولى والثانية، ويعد كل من إبراهام ماسلو و كارل روجرز من أوائل قادة هذه المدرسة.
ترى هذه المدرسة السلوك بصورة مختلفة، حيث لا تعتقد أن السوك محكوم بحفزات لاشعورية أو دوافع لاشعورية،كما أنه ليس محكوماً بمثيرات خارجية صادرة عن البيئة، وبدلاً من ذلك فهم يرون أن الإنسان حراً ولديه إرادة ووعي وقدرة على الإبداع، كما أنه مولود ولديه القدرة على أن يتبع طاقاته فيما يسميه ماسلو بتحقيق الذات، وتحقيق الذات عبارة عن عملية مستمرة بطول الحياة نفسها وليست هدفاً نهائياً يستطيع الفرد أن يصل إليه.
وترى هذه المدرسة أنه لا يمكن فهم السلوك إلا إذا درسنا الإدراك الذاتي المتفرد للإنسان وبموجب تلك النظرة سنجد أن العالم ليس واحداً لدى جميع الأفراد.
ولقد ساهم كارل روجرز في تقديم أسلوب للعلاج النفسي قائم على هذا الاتجاه الإنساني هدفه الأساسي مساعدة الأفراد على تنمية طاقاتهم.
7 – اتجاهات معاصرة أخرى:
تأثر علم النفس بالأفكار الفلسفية منذ نشأته، وهو نتاج الآراء والأفكار المختلفة والعلوم الأخرى بغية التطور والتجديد، لقد ظهرت تقنيات جيدة في الفسيولوجي والكيمياء الحيوية مكنت علماء النفس من دراسة المخ والنظام الحسي بصورة تفصيلية أفضل من السابق، كذلك فإن البحوث في الجينات قد دعمت البحوث النفسية في الوراثة وتأثيرها على السلوك، والنمو السريع في مجال الحاسب والمعلومات جذب الانتباه إلى دراسة القدرات البشرية وكيفية عملها والفرق بين التفكير البشري وعمليات الحاسب.
إن العديد من الأنظمة العليا قد نضجت وتغيرت، وعلى سبيل المثال فقد أصبح للسلوكيين دوراً في العلاج النفسي،كما أن التحليل النفسي قد تعدل تعديلات جوهرية تختلف عن تلك التي نادى بها فرويد، وظهر علم النفس المعرفي الذي يهتم بالتفكير والعمليات الشعورية نتيجة للجهود الإكلينيكية الذكية التي قدمها جان بياجيه عالم النفس السويسري.

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: موسوعة علوم التربية 2016 © سياسة الخصوصية تصميم : كن مدون