الكفاية و مفاهيمها
يعتبر
مصطلح الكفايات من المصطلحات الحديثة التي أُدخلت إلى القاموس التربوي بالنسبة
للمدرسين المغاربة، و بالتالي فإن مفهومها لازال مستعصيا على الغالبية العظمى من
رجال التعليم المغاربة ، الشيء الذي دفعني إلى البحث عن كل ما يمكنه أن يساعد أسرة
التعليم بالمغرب في فهم هذا المصطلح الجديد القديم ، و أتمنى صادقا أن أكون قد
ساهمت و لو بالنذر القليل في فك طلاسم هذا المفهوم الذي أصبح تداوله بالمدرسة
المغربية واقعا محتوما ، و عمودا فقريا بالنسبة للمقررات الجديدة.
و هذه مجموعة من العناوين التي اقتبستها من كتاب تجدون تعريفه أذناه :
1 ــ تقديم
الكفايات هي قدرات مكتسبة
تسمح بالسلوك و العمل في سياق معين ، ويتكون محتواها من معارف و مهارات و قدرات و
اتجاهات مندمجة بشكل مركب . كما يقوم الفرد الذي اكتسبها ، بإثارتها و تجنيدها و
توظيفها قصد مواجهة مشكلة ما و حلها في وضعية محددة .
هذا و إذا كان مفهوم الكفايات ارتبط في بداية ظهوره و انتشاره بمجال التشغيل و
المهن و تدبير الموارد البشرية في الإدارات و المقاولات ، فإننا نقترح أن يتسع هذا
المفهوم ليغطي كافة التغيرات التي ستصيب ليس فقط العمال و المهنيين ( و من بينهم
المعلمين ) بل التلاميذ أيضا أثناء تواجدهم في المدرسة ، بحيث لا يبقى مدخل
الكفايات قاصرا على إعداد الأطر المهنية بما فيها أطر التعليم ، بل ينبغي أن يتحول
هذا النموذج إلى أداة لتنظيم المناهج و تنظيم الممارسات التربوية في المنظومة
التعليمية . ذلك أننا نجد أن نفس المبررات التي يتم اعتمادها عادة في الدعوة إلى
تنظيم الكفايات في المجال المهني . تبقى صالحة لتبرير دعوتنا لاعتماد هذا المدخل
في الحقل المدرسي و في إطار علم التدريس ، خاصة و أن نموذج التدريس الهادف في
صيغته السلوكية و الإجرائية أصبح عاجزا الآن عن حل العديد من المشكلات العالقة في
الحقل المدرسي و نخص منها بالذكر صعوبة الأجرأة ( الصياغة الإجرائية للأهداف
التربوية ) في العديد من المجالات و كذلك الفصل المصطنع الذي يتم بين ما هو عقلي و
ما هو حركي و بينهما و بين ما هو وجداني في شخصية المتعلم .
إن التدريس الذي يتأسس على مدخل الكفايات
، لا بد أن يبلغ مقاصده ، لأنه لا يتناول شخصية التلميذ تناولا تجزيئيا . إن
الكفاية ككيان مركب تفترض الاهتمام بكل مكونات شخصية المتعلم ، سواء على المستوى
العقلي أو الحركي أو الوجداني . إن الكفاية تيسر عملية تكييف الفرد مع مختلف
الصعوبات و المشكلات التي يفرضها محيطه، و التي لا يمكن أن يواجهها من خلال جزء
واحد من شخصيته ، بل بالعكس من ذلك ، فإن تضافر مكونات الشخصية ، أي المعرفة و
العمل و الكينونة هو الكفيل بمنح الفرد القدرة على مواجهة المستجدات و التغلب على
التحديات .
و سنعمل في إطار تعريفنا للكفايات على تقديم جملة من التعاريف التي كانت
تربط هذا المفهوم ببعض الحقول المعرفية و المهنية ، قبل أن نخلص إلى التعاريف التي
بدأت توظف هذا المفهوم في مجال التدريس .
لكن لا بد من التذكير منذ البداية بالحقيقة الأساسية التالية :
وجدنا في تحليلنا لمختلف التعاريف التي قدمت للكفايات ، أنها تتأرجح بشكل عام ،
بين الفهم السلوكي ( البيهافيوري Behavioriste ) و الفهم الذهني (
المعرفي Cognitiviste
) .
ذلك أن بعض الأعمال و البحوث تذهب إلى تعريف الكفاية باعتبارها سلسلة من الأعمال و
الأنشطة القابلة للملاحظة ، أي جملة من السلوكيات النوعية الخاصة ( خارجية وغير
شخصية ) و ينتشر هذا التفسير بالأساس في مجالين :
·
التكوين المهني ؛
·
و في بعض الكتابات المتعلقة بنموذج التدريس بواسطة
الأهداف .
في حين ينظر إلى الكفاية تارة أخرى ، كإمكانية أو استعداد داخلي ذهني ، غير مرئي Potentialité invisible من طبيعة ذاتية وشخصية . و
تتضمن الكفاية حسب هذا الفهم و حتى تتجسد و تظهر ، عددا من الانجازات ( الأداءات Performances ) باعتبارها مؤشرات
تدل على حدوث الكفاية لدى المتعلم .
لكن الاتجاه الذي تبنيناه نحن في دراستنا هذه ، يندرج بشكل عام ضمن هذا المنظور
الأخير و الذي يعتبر الكفاية قدرات عقلية داخلية و من طبيعة ذاتية وشخصية .
و سنعمل في العناوين اللاحقة على استعراض جملة من التعاريف خاصة تلك التي ترفض
التقيد بالفهم السلوكي للشخصية و تستبعد تفسير التعلم و التعليم بردهما إلى قانون
"المثير و الاستجابة " .
و لا بأس أن نشير إلى معنى الكفاية في لغتنا ، ففي اللغة العربية فإن أهم تعريف
للكفاية أو الكفاءة هو الذي يورده ابن منظور في " لسان العرب " ( دار
الجيل ، بيروت ـ المجلد الخامس ـ ص 269 حيث ذكر:
قول حسان بن ثابت : وروح
القدس ليس له كِفاءُ ،أي جبريل عليه السلام ، ليس له نظير و لا مثيل .
و الكَفىءُ : النظير ، و
كذلك الكفء و المصدر الكفاءة .
و الكُفاة : النظير و
المساوي .
يقول تعالي : (( لم يلد و
لم يولد و لم يكن له ، كُفُؤا أحد )) .
و يقال كَفَأْتُ القِدر و
غيرها ، إذا كببتها لتفرغ ما فيها.
الكُفَاة : الخدم الذين
يقومون بالخدمة ، جمع كاف ، و كفى الرجل كفاية ، فهو كاف ، إذا قام بالأمر
.
هامش : أخذت هذه المعلومات من كتاب للباحث
المغربي د . محمد الدريج ، عنوانه "الكفايات في التعليم ، من أجل تأسيس علمي
للمنهاج المندمج " و الكتاب يتطرق إلى مفهوم الكفايات في شتى المجالات و هو
جدير بأن يحفظ في الخزانة الشخصية لكل مدرس مغربي و عربي .
ليست هناك تعليقات: