الزمن البيداغوجي.. ملاحظات و تساؤلات
من بين المتغيرات الأساسية
والجوهرية التي تظل مهمشة أو مغيبة في التدبير البيداغوجي لنظام التربية
والتكوين:متغير الزمن؛ سواء من حيث علاقته بهندسة وتخطيط المنهاج التربوي( المناهج
والبرامج والكتب المدرسية واستعمالات الزمن المدرسية والعمل الديداكتيكي والتربوي
المباشر...)أو بالتنظيم والتدبير الإداري لعمل أطر التربية والتكوين عامة.نقصد
بالتحديد: ماهي الاختيارات والمبادئ المعتمدة في تحديد الزمن البيداغوجي للسنة
الدراسية، وللمواد المدرسة، ولساعات عمل المدرسين على وجه الخصوص؟هل تدبير وتحديد
الزمن البيداغوجيي في مدرستنا المغربية يخضع لظوابط ومعايير بيداغوجية علمية
وموضوعية؟أم لضوابط وغايات تنتمي لزمن غير الزمن البيداغوجي الموضوعي، قد يكون
زمنا تقنيا أو اقتصاديا أو إيديو-سياسيا؟
الإجابة الدقيقة و الأكثر موضوعية
تحتاج إلى دراسات نظرية وميدانية عميقة وأكثر تدقيقا، لذا فإن مقاربتنا هذه
لموضوعة الزمن البيداغوجي، لا تعدو أن تكون مجرد محاولة لبسط بعض الملاحظات،
وإثارة بعض الأسئلة، لتسليط الضوء على متغير بيداغوجي يظل غير مفكرفيه ومهمشا في
منظومة التربية والتكوين.
*مفهوم الزمن: بشكل مبسط وعام يمكن تعريف الزمن كمدة
معينة يستغرقها فعل أو حدث ما،أو كبعد يمثل تعاقب الأفعال والأحداث. وعليه فإن
الفعل /الحدث البيداغوجي قابل للقياس بوحدات زمنية، أو بتعبير آخر، يمكن ترجمة
البيداغوجي إلى" كم زمني" معين، حيث إن كل متغير تربوي/بيداغوجي/ديداكتيكي(وقد
يكون متوقعا أو غير متوقع) يستغرق زمنا معينا.فهل الزمن البيداغوجي الرسمي يعبر
بدقة قياسية موضوعية عن الزمن البيداغوجي الموضوعي؟
الزمن التقني والزمن البيداغوجي
الموضوعي
في بحثنا عن مفهوم الزمن وكيفية
تدبيره في أهم وثيقتين رسميتين(الميثاق الوطني للتربية والتكوين والكتاب
الأبيض)عثرنا على المعطيات التالية: في الدعامة الثامنة من الميثاق،والتي تتطرق
إلى استعمالات الزمن والإيقاعات المدرسية والبيداغوجية،يتم تحديد السنة الدراسية
في 34 أسبوعا كاملا،أي مايعادل1000ألى1200ساعة،والتي يمكن تعديلها حسب وثيرة
الحياة المميزة للمحيط الجهوي والمحلي للمدرسة، وذلك تبعا لمسطرة محددة، يجب أن
تأخذ بعين الاعتبار عدة شروط، منها:مراعاة الظروف الطبيعية والسوسيو ثقافية
والاقتصادية للسكان،احترام المميزات الجسمية والنفسية للمتعلمين في كل سنة
دراسية،التنسيق بين التكوين بالمؤسسة التربوية وعالم الشغـل،تنظيم الأنشطة
الموازية والتربية البدنية،الاستعمال الأمثل والتعدد الوظائف للتجهيزات
التربوية.كما يمكن لسلطات التربية والتكوين أن تبحث في مبدإ تخفيظ عدد الساعات
الدراسية الأسبوعية بالنسبة للتلاميذ، خصوصا في الابتدائي والإعدادي.(تهميش عدد
ساعات عمل المدرسين؟!).إن هذه الدعامة من الميثاق تعبر عن الوعي بمفهوم الزمن
وكيفية تدبيره بيداغوجيا في علاقته بالمتغيرات الفزيولوجية والنفسية للمتعلم،
والمعطيات الطبيعية والسوسيو-ثقافية والاقتصادية لمحيط المدرسة.لكن الملاحظ،ونحن
في بحر السنة السادسة من تطبيق الميثاق،لم يتم تفعيل معظم تلك الشروط السالفة
الذكر التي يمكن لها أن تعطي للزمن البيداغوجي صبغته الموضوعية والواقعية،هذا من
جهة، ومن جهة أخرى ،تبقى بعض الأسئلة معلقة،مثل:ماهي طبيعة العلاقة الديداكتيكية
للمواد الدراسية بالغلاف الزمني السنوي؟هل هي علاقة بيداغوجية موضوعيةأم علاقة
تقنية تدبيرية معطاة مسبقا، خصوصا إذا لاحظنا أن الغلاف الزمني للسنة الدراسية
المعتمد في الإصلاح الحالي بقي تقريبا هو نفسه بالمقارنة مع النظام القديم؟هل
تعتمد السلطات التربوية سواء المركزية ،أو الجهوية،أو الإقليمية ،أو المحلية على
البحوث والدراسات النظرية والميدانية العلمية في تحديد الزمن البيداغوجيي؟هل لدينا
تراكم معرفي مغربي في هذا النوع من المقاربات؟ وعلى أية أسس علمية تم تحديد السنة
الدراسية في 34أسبوعا؟...
الزمن البيداغوجي والديداكتيكي
*الغلاف الزمني السنوي للمواد الدراسية: من خلا ل
معاينتنا للغلاف الزمني العام للمواد المدرسة في التعليم الابتدائي، والوارد في
الكتاب الأبيض، خرجنا بخلا صات إحصائية(تقريبية) للنسبة المئوية لكل مادة، في
علاقتها بالغلاف الزمني السنوي لكل المواد الدراسية، وهي كالتالي:
المواد الدراسية
السنتان 1+2
الترتيب
السنوات3+4+5+6
الترتيب
لغة أجنبية أولى
2,67(س2)
8
28,15
1
اللغة العربية
39,28
1
22,76
2
الرياضيات
17,85
2
17,58
3
التربية الإسلامية
11,55
3
10,71
4
الأمازبغية
10و71
4
ــــــــــ
ــــــــــ
التربية البد نية
6,30
6
6,2566
5
النشاط العلمي
5,35
7
5,35
6
التربية الفنية
8,92
5
4,01
7
الاجتماعيات
ـــــــــ
ــــــــ
3,57
8
لغة أجنبية ثانية
ـــــــــ
ــــــــ
1,31(لم تدمج بعد)
9
بعد معاينة هذه المعطيات
الإحصائية، يمكن الخروج بالملاحظات/الأسئلة التالية:
ما هي المعايير المعتمدة في
توزيع الغلاف الزمني السنوي للمواد الد راسية بهذه النسبة أو تلك في سلم الأولويات
الزمني؟هل هذه المعايير هي بيداغوجية وديداكتيكية محضة؟أم هي مجرد إجراء تقني
لتكييف الغلاف الزمني للمواد حسب غلاف زمني معطى مسبقا؟أم انها محكومة بعدد المواد
المحدد في كل مستوى دراسي؟أم أن الزمن البيداغوجي للمواد والسنة الدراسية يتحكم
فيه بالأساس الزمن الاقتصاد التدبيري والزمن الإيديو-سياسي؟لماذا ، مثلا تحتل
اللغة الفرنسية الصدارة(%28,15 ابتداء من السنة الدراسية الثالثة) متقدمة على
اللغة العربية وعلى الرياضيات والتربية الإسلامية والنشاط العلمي وباقي المواد
الأخرى؟!مع العلم أن أغلب الشعب المغربي يتكلم اللغة العربية بالدرجة الأولى، وهي
اللغة الرسمية للبلاد، بالإضافة أننا ندعو في الميثاق إلى بناء الكفايات التي
ستساهم في النهضة العلمية والاقتصادية للبلاد!كيف ذلك ومادة النشاط العلمي تحتل
المرتبة السادسة والسابعة؟ّ!مع تسجيل الأهمية المعطاة لمادة الرياضيات(المرتبة
الثانية والثالثة).هل يمكننا أن نخرج باستنتاج أساسي كون الزمن التقني
والإيديو-سياسي سابق على الزمن البيداغوجي والعلمي ومتحكم فيه؟هناك عدة استنتاجات
يمكن الخروج بها من الجدول الإحصائي السالف، ونكتفي بما سبق.
*استعمال الزمن الخاص بالحصص الزمنية للمواد الدراسية:
هنا سنقدم فقط مثالين يخص مادتي
الرياضيات والفرنسية للمستوى السادس ابتدائي(حسب دليل الأستاذ)، والمهم هو إثارة
بعض الأسئلة التي تخص الغلاف الزمني الأسبوعي للمواد الدراسية:تقدم مادة الرياضيات
في 6 حصص في الأسبوع،45 دقيقة لكل حصة، بالإضافة إلى حصة سابعة تخصص للدعم
والتقويم.
أم المدة الزمنية لمواد
الفرنسية،توزع كالتالي: تواصل وتعبير30-35 دقيقة،الصرف Conj40 د،معجمLexique 30 د،تعبير كتابي 40-45 د، مشروع Projet 40 د.
هل تحديد زمن كل حصة دراسية تم
اعتمادا على دراسات وتجارب بيداغوجية ميدانية؟ أم هي ، كذلك مجرد تكييف تقني
للغلاف الزمني السنوي المعطى مسبقا حسب عدد المواد المقررة، وحسب أيام الأسبوع
الدراسي، وحسب عدد ساعات عمل المدرسين كذلك؟
على مستوى العمل البيداغوجي
الميداني والصفي، يشتكي جل المدرسين من قلة وعدم كفاية وموضوعية الغلاف الزمني
المخصص لبعض المواد، خصوصا المواد الأساسية والبنائية، ومن كثرة المواد المقررة
التي تشتت مجهود المدرسين وتركيز المتعلمين، وتنهك القوى العقلية والجسدية
للمتعلمين أمام الكم الكبير للمعلومات والقيم والعمليات السيكو-عقلية المتنوعة
والمختلفة. هل تم التفكير في الإشكالية الحقيقية لتدبير الزمن في الأقسام المتعددة
المستويات، التي بدأت تتضاعف مؤخرا،حيث تصبح الحصة الزمنية المقررة مجرد نصف حصة
لكل مستوى؟ ونفس الأمر بالنسبة للأقسام التي تعرف اكتظاظا متزايديا.
هل يتم بالفعل مراعاة زمن
التعلم وزمن التعليم والمتغيرات الديداكتيكية الجديدة التي تتطلبها بيداغوجيا
الكفايات، والبيداغوجيا الفارقية، والبيداغوجيا التفريدية...وغيرها من المقاربات
البيداغوجية المتمركزة حول المتعلم والكفايات ، خصوصا ونحن نعلم بأن متعلمنا
المغربي في التعليم العمومي يعاني في أغلبه من الفشل الدراسي ، وتراجع المستوى
الدراسي ، بالإضافة إلى العوائق المرتبطة بالتجهيزات الديداكتيكية الحديثة للمدرسة
، وبالمعوقات السوسيو-اقتصادية لمحيط المدرسة؛ هل يراعى هذا وغيره،عند هندسة
وتخطيط الزمن البيداغوجي؟
*زمن التعليم وزمن الاقتصاد:
كثيرا ما طالبت بعض النقابات
التعليمية بتخفيض ساعات عمل المدرسين، وخصوص في الابتدائي، وفي الأغلب لاعتبارات
بيداغوجية، على اعتبار أن التعليم هو عمل جسدي وعقلي-عصبي بالدرجة الأولى ،وبعض
الدراسات العلمية أثبتت بأن العمل العقلي-العصبي أكثر إرهاقا وإنهاكا من العمل
الجسدي.
وهنا نطح سؤالا ظل مغيبا لعقود:
لماذا هناك اختلاف وتفاوت في ساعات عمل مدرسي مختلف الأسلاك التعليمية؟ ما هي
المعايير والأسس المعتمدة في ّذلك؟ هل هي بيداغوجية؟ هل لها علاقة بعدد المتعلمين
والحجرات الدراسية؟ هل لها علاقة بالشواهد التعليمية والمهنية...؟؟! أم لها علاقة
فقط بالتدبير المالي للمناصب المالية والميزانية العامة المخصصة للتعليم؟ حيث هناك
علاقة دالة بين عدد ساعات العمل وعدد المدرسين والغلاف المالي لتدبير التعليم
والمناصب.
هل من الإنصاف البيداغوجي
والاجتماعي أن يعمل مدرسو التعليم الابتدائي وحدهم، دون غيرهم من مدرسي باقي
الأسلاك التعليمية، حوالي 29ساعة في الأسبوع؟ ومن المعروف أن التعليم الابتدائي
أكثر إنهاكا وأكثرأهمية لما له من وظائف بنائية أساسية تؤثر على فعالية وجودة
الأسالاك التعليمية اللاحقة.إنه يجب إعادة النظر في عدد ساعات عمل المدرسين وفق
خصوصية مهنة التعليم، وضمانا للفعالية والإنصاف. إن صناعة مستقبل ونهضة أمة لا يتم
انطلاقا من حسابات مالية وتقنية ضيقة لتحقيق التوازنات الماكر واقتصادية وذلك على
حساب قطاع مجتمعي حيوي واستراتيجي كالتعليم. هناك مجالات أخرى يتم فيها هدر ونهب
الأموال العامة هباء، ووجب إعمال سياسة الترشيد والتقشف أو المراقبة والعقلنة
فيها، وقد تكون لوحدها كفيلة بتحقيق فائض ماكرواقتصادي وليس التوازن فقط.
في الأخير، نشير إلى أن الزمن
البيداغوجي لنظام التربية والتكوين، لا زال زمنا ماقبل-علميا، يهيمن عليه الزمن
التدبيري التقني ذو الأهداف الاقتصادية التقشفية أوالتجارية(عدد الكتب
المدرسية...)، والزمن الإيديولوجي السلبي.إننا في حاجة إلى إعمال العلم والمصلحة
العليا للوطن، لتحديد زمن بيداغوجي حقيقي وموضوعي يراعي الخصوصيات البيداغوجية،
أوالسيكواجتماعية، للمنهاج التعليمي وللمتعلمين، ولمحيط المدرسة، وللمدرسين،
ولمتطلبات التنمية البشرية الحقيقية، ولنهضة وتقدم البلاد عامة./.
* محمد الصدوقي
ليست هناك تعليقات: