الفرد
والانحراف السلوكي
أسامه قراعه - مصر
الانحراف السلوكي والمجتمع هو
ممارسة أي من أنواع السلوك المخالف للسلوك المتوقع على المستوي الفردي والمستوي
الاجتماعي. ومن هذا المفهوم فالفرد الذي يمارس سلوكا يخالف معتقداته ومبادئه
وسلوكه الذي يتوقعه لنفسه يعتبر على المستوي الشخصي منحرفا سلوكيا. فعلى سبيل
المثال إذ وجد فرد متدين وملتزم بتعاليم الدين ومنهجه في كل سلوكه وقادر على
التحكم والسيطرة على سلوكه، وفقا لهذا المنهج فالمتوقع من سلوكه في المستقبل أن
يطابق السلوك المنهجي الديني, فإذا مارس هذا الفرد سلوكا مخالفا لتعاليم الدين
كالسرقة يكون انحرف بسلوكه عن السلوك المتوقع, وإذا تكرر ممارسة السلوك المخالف
للمتوقع يصبح منحرف سلوكيا وان فقد القدرة على التحكم و السيطرة على سلوكه تحول
إلى مرض سلوكى من وجهة نظر المجتمع. أما بالنسبة للفرد نفسه فيظل منحرف سلوكيا.....
ومثال آخر لتوضيح مفهوم الانحراف السلوكي إذا وجد شخص لص (سارق) وملتزم بتعاليم
اللصوصية وفقا لنشأته ومنهج الفساد كان سلوكه المتوقع في المستقبل مطابق للمنهج
الإجرامي, فان مارس هذا الفرد سلوك الأمانة يكون قد انحرف بسلوكه عن السلوك
المتوقع وان تكرر منه هذا السلوك أصبح منحرف سلوكيا وان فقد التحكم والسيطرة على
سلوكه تحول إلى مرض سلوكي من وجهة نظر مجتمع اللصوص إلا انه يظل انحراف سلوكى
بالنسبة للفرد نفسه..
وبذلك فليس لكلمة انحراف سلوكى
ارتباط بمعنى الخير والشر أو الصح والغلط لأنها مقاييس نسبية تختلف باختلاف
معتقدات الفرد والمجتمع. وعلى المستوي الاجتماعي على سبيل المثال إذا كان السلوك
المتوقع لأفراد المجتمع هو الأمانة وظهر مريض سلوكي بمرض السرقة يكون المجتمع
انحرف بالسلوك الاجتماعي عن المتوقع, وان تكررت حالات المرضي بالسرقة يكون المجتمع
منحرف سلوكيا وان فقد المجتمع التحكم والسيطرة على السلوك الفردي للمرضى أصبح
مجتمع مريض سلوكيا ويلزم إعادة التخطيط لعلاج المرض السلوكي بتعديل أو تبديل نظم
الضبط الاجتماعي أو تطويرها، إلا انه يجب الاقتناع التام بضرورة تطوير النظام
الحالي على التحكم والسيطرة والضبط لسلوك الأفراد، ويسمى هذا المرض الاجتماعي
بالظواهر الاجتماعية المرفوضة أو السلبية.
والانحراف السلوكي هو ناتج عن
تغير في المعتقدات والدوافع والاتجاهات الذاتية للفرد والتي تتكون نتيجة لتعرضه
لاكتساب خبرات سلوكية قوية التأثير لقدرتها على إشباع حاجاته ورغباته بيسر وسهولة
وتحقيق اكبر قدر من المنفعة الشخصية أو اكتساب خبرات سلوكية ضعيفة ومتكررة وناجحة
مما يزيد من قوتها, وغالبا ما يتم نقل واكتساب هذه الخبرة السلوكية عن طريق
المواقف التفاعلية مع المجتمع والخبرات المصاحبة لها وعن طريق التعلم الذاتي وعن
طريق التعلم المباشر من الغير وعن طريق الرغبة في المحاكاة والتقليد والتجربة
الشخصية وكلها طرق بعيدة كل البعد عن التخطيط الاجتماعي والمراقبة وغالبا لا يخطط
ولا ينظم لها المجتمع الخبرات المضادة المانعة لاكتسابها والانحراف السلوكي هو
بداية لمرض سلوكى على المستوي الفردي.
والمرض السلوكي له خاصية العدوى
وسرعة الانتشار إن لم تستخدم الوسائل المناسبة لعلاجه وغالبا ما يؤدي لضعف وتدمير
المجتمع في حالة إهماله سواء عن قصد أو جهل.. ولذا كلما عالج المجتمع الانحراف
السلوكي منذ ظهوره في أول حالاته وتابع الوقاية والعلاج لباقي الأفراد كلما احتفظ
المجتمع بصحة بنائه ومكوناته الأساسية وبالطبع لا يمكن علاج المرض إلا بعد اكتشافه
ولا يمكن اكتشافه إلا عن طريق فرض نظام رقابي اجتماعي دقيق قادر على اكتشاف
الانحراف السلوكي في جميع صوره أو عن طريق ظهور الشكاوى الفردية والاجتماعية
المتأثرة بالمرض والمتضررة به واكتشاف المرض ومتابعته وتوافر نظام العلاج المناسب
له ووجود برنامج للتقويم السلوكي مع إصرار المجتمع على القضاء على الانحراف
السلوكي هما أساس الصحة النفسية للمجتمع وأساس نموه وازدهاره.
ليست هناك تعليقات: