المرتكزات الأخلاقية لإدارة المؤسسات التربوية
د. سامية صالح
الإدارة هي الأداة الأساسية التي يتوقف عليها تحقيق أهداف
المؤسسات على اختلاف أنواعها، سواء كانت مؤسسات خاصة ربحية، أو مؤسسات عامة خدمية.
وتعتبر مؤسسات البحث العلمي والمؤسسات التربوية مؤسسات خدمية لما تقدمه للمجتمع من
علم ونفع عظيم. وتعتبر مسئولياتها من أصعب المسئوليات الإدارية لتأثيرها المباشر
على الباحثين والمربين الذين يتولون بناء وإنماء شخصيات الأبناء والأجيال المقبلة
التي ستقود مستقبل الوطن كله.
وللإدارة أبعاد عديدة، قد لا يتسع المجال لحصرها، من أهمها
البعد الأخلاقي الذي يؤثر في نجاح الإدارة في القيام بوظائفها وتحقيق أهدافها
تأثيراً كبيراً, فالأخلاق هي التطبيق العملي والممارسة الفعلية لمنظومة القيم التي
أرساها الدين في حياتنا. ولما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "أدبني ربي
فأحسن تأديبي"، وقالت السيدة عائشة، رضى الله عنها، "كان خلقه
القرآن" فإنه يتضح أن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هما المصدر الأساسي
للأخلاق في جميع مناحي الحياة.
ولقد وضع الإسلام منظومة القيم التي ينبغي أن يرتكز عليها البعد
الأخلاقي للإدارة، ليكون نمطها مطابقاً لتعاليم الدين ولسنة الرسول الكريم، صلى
الله عليه وسلم، والتي تتضح خلال الإطارين الأساسين التاليين:
1- الإطار الأخلاقي لمسئولية
المدير عن المؤسسة والعاملين فيها.
2- الإطار الأخلاقي لمسئولية
المدير عن نفسه كمدير للمؤسسة.
ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:
أولاً: الإطار الأخلاقي لمسئولية المدير عن المؤسسة والعاملين
فيها:
تعتمد مسئولية المدير عن المؤسسة والعاملين فيها على مدى حرصه
على ترسيخ القيم الإسلامية للأخلاقيات الإدارية والتي من أهمها ما يلي:
1-الأمانة:
مدير المؤسسة مسئول عنها وعن العاملين فيها مسئولية تامة، ويجب
أن يكون أميناً على كل مشتملاتها ومصالحها وأن يخلص العمل من أجل نجاحها في تحقيق
أهدافها، ومن أجل تقدمها وتحسين أدائها. كما يجب أن يكون أميناً مع العاملين معه
يصدقهم القول، ويحفظ أسرارهم، ويراعي مشاعرهم فلا يضرهم أو يؤذيهم، ولا يذكرهم في
غيبتهم بما لا يرضيهم.. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع وكلكم
مسئول من رعيته....."
2- العدل:
المدير هو القاضي والحاكم في المؤسسة التي يتولى إدارتها، ولقد
قال تعالى:"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"(النساء: 58)، فلا
يجوز للمدير أن يكون متحيزاً لفئة أو لفرد على حساب باقي الأفراد؛ حتى لا يزرع
الحقد والكراهية في نفوس العاملين معه في المؤسسة، بل يجب أن يتيح الفرص للجميع
للمشاركة في العمل والتعبير عن قدراتهم وإظهار إمكاناتهم، فتزيد درجة الرضا
الوظيفي والإقبال على العمل لديهم.
3- الشورى:
لقد اصطفى الله-سبحانه وتعالى- نبيه الكريم محمد، صلى الله عليه
وسلم، واختاره للرسالة لرجاحة عقله ولخلقه الكريم، ورغم ذلك أمره بمشاورة أصحابه
ولم يقصر الفهم عليه ولم يقلل من شأن تابعيه، قال تعالى:" وشاورهم في
الأمر"(آل عمران:159)، فلا يجوز لمدير المؤسسة أن يكون متشككاً في عقول
الآخرين وفي قدرتهم على التفكير واتخاذ القرار، ولا يجوز أن يكون مستبداً برأيه
منفرداً باتخاذ القرارات، ولا يجوز أن يعتبر أي خطأ أو تقصير من أحد الأفراد ذريعة
لإقصائه عن المشاركة في صنع القرار.
4- الرحمة:
الرحمة من أسماء الله الحسنى فهو الرحمن الرحيم، أوصى رسوله
الكريم بالرحمة مع الناس جميعاً حتى بالمشركين الذين تفننوا في إيذائه، قال
تعالى"فبما رحمة من ربك لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من
حولك"(آل عمران:159)، لهذا ينبغي على مدير المؤسسة أن يتذكر دائماً أن
العاملين بها بشر يتعرضون للأزمات الصحية والنفسية، وعليه أن يقدر ظروفهم ويعطيهم
الفرصة لتصحيح أوضاعهم، واستعادة اتزانهم النفسي والصحي.
ثانياً: الإطار الأخلاقي
لمسئولية المدير عن نفسه كمدير للمؤسسة:
يتحمل مدير المؤسسة مسئولية كبيرة نحو نفسه؛ حتى يكون أهلاً
للإدارة وجديراً بها وقادراً على الوفاء بكل متطلباتها، وتتضح مشتملات الإطار
الأخلاقي لمسئوليته عن نفسه فيما يلي:
أولاً:مسئوليات عقلية:
1- أن يتقن القيام بكل الوظائف
المتعلقة بالإدارة بداية من التخطيط PLANNING لتحقيق أهداف المؤسسة،
والتنظيم ORGANIZATION، ثم
توزيع المسئوليات على أفراد المؤسسة STAFFING، والتوجيه والإرشاد DIRECTING والتنسيق بين الأعمال
والأقسام بالمؤسسة COORDINATING، وعمل التقارير REPORTING بشكل صحيح، وتحديد التكاليف
والميزانيات اللازمة BUDGETING وأن يؤدي ذلك بكل البراعة
والإتقان, قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، " إن الله يحب إذا عمل أحدكم
عملاً أن يتقنه".
2- أن يشجع البحث العلمي في مؤسسته، ويستزيد من المعرفة بكل
ما هو موجود بها من تخصصات مختلفة، قال تعالى:" وقل رب زدني
علماً"(طه:114).
3- أن يرقى بقدراته العقلية
فيمارس الفهم والتحليل، ولا يعتمد على الحدس والتخمين، ولا يصدر الأحكام المتسرعة
قبل التحقق من حقيقة الأمور، قال تعالى:" يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً
من الظن إن بعض الظن إثم"(الحجرات:12).
4- أن يرتب أفكاره في تسلسل منطقي وأسلوب يتسم بالهدوء
والإقناع، قال تعالى:"وجادلهم بالتي هي أحسن"(النحل:125).
ثانياً: مسئوليات نفسية:
1- أن يدرب نفسه على ضبط
انفعالاته والسيطرة عليها، فقوة شخصية الإنسان تقاس بمدى قدرته على ضبط النفس
والتحكم في الانفعالات, قال تعالى:"والكاظمين الغيظ والعافين عن
الناس"(آل عمران:134).
2- أن يسمو بنفسه عن الميل مع
الهوى والعاطفة، ولا يمنح المقربين إلى نفسه الامتيازات والمفاضلات ويحرم منها كل
من لا يجد القبول لديه، بل يكون إنسانا عادلاً ومنصفاً، قال تعالى:"وأما من
خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى"(النازعات:40).
3- أن يحول دون تسرب الغرور
والخيلاء إلى نفسه فلا يكثر من الحديث عن نفسه وعن محاسنه ومآثره، قال
تعالى:" إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً"(النساء:36)، ولا يستغرق
أوقات الاجتماعات في الحديث عن أفضاله وإحسانه على العاملين بالمؤسسة حتى لا يؤذي
مشاعرهم، قال تعالى:" يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن
والأذى"(البقرة:264).
4- أن يحسن معاملة صغار
العاملين في المؤسسة ويمنحهم فرص العمل من أجل الترقي، وفي نفس الوقت لا يضيع حقوق
الكبار أو يتجاهل وجودهم وخبرتهم ويسلبهم مكانتهم، قال رسول الله، صلى الله عليه
وسلم: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا".
5- أن يكون قدوة لمن سيتولى
الإدارة بعده، في احترام وتقدير من سبقوه في إدارة المؤسسة، فلا يقلل من قيمة
منجزاتهم ولا يسخر منها، بل يعتبر نفسه مكملاً لمشوارهم في تحقيق أهداف المؤسسة
التي يديرها، مؤمناً بقوله تعالى:" وما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا
وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون"(القصص:60).
ليست هناك تعليقات: