تحميل الكتاب

الأحد، 13 مايو 2018

قراءة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين أو نهاية المدرسة

قراءة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين أو نهاية المدرسة


  عبد النور إدريس

قراءة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين أو نهاية المدرسة
بين مرجعية الأمس وتحديات المستقبل
تعتبر المنظومة التعليمية ترمومتر النمو المرتجى لدى الشعوب، كما أن الهدف من المدرسة ليس كما كان في السابق تعمل على تسوية الحظوظ بين جميع الأطفال ولكنه العمل على أن تعطى لكل طفل فرصته للنجاح والترقي.
ولمواجهة كافة التحديات المحلية والعالمية عملت نظرية رأس المال الإنساني على إدماج التربية في منظور التقدم.
وإذ يشكل قطاع التعليم أهم القطاعات الفاعلة تنمويا، نجد المفارقة الأساسية عندنا تكمن في المسافة بين غايات التعليم ووضعية المجتمع والتي تزداد عمقا ما بين الواقع المدرسي والواقع المعيش.
\”فالتعليم يجب أن يتطور من خلال ما ينتظره المجتمع من هذا التعليم\”.
حقيقة أن المدرسة ما هي إلا عنصرا من العناصر المكونة للمجتمع بكامله، فلا يمكن لهذا العنصر وحده أن يعيد تشكيل الكل وما ميثاق التربية و التكوين إلا زاوية للنظر في المسألة التعليمية الوطنية وسعت دائرة الطموحات التي انبنت عليها استراتيجية النظام التعليمي القائمة على:
- مبدأ دمقرطة الفرص التعليمية والاحتفاظ بالمتمدرسين أطول فترة ممكنة.
-ربط السيولة بالجودة.
- تقليص نسبة الهدر والتسرب (الانقطاعات المبكرة).
- اعتبار التكوين الجيد من حق كل طفل وكل يافع وبالتالي مراعاة مبدأ تكافؤ
الفرص في توفير الظروف المناسبة للتمدرس كتوفير الوسائل الضرورية
لمتطلبات التكوين.
فعلى اعتبار أنه سطر التعميم والجودة بدءا من السنة الرابعة إلى السنة الخامسة عشر في أفق تحقيق إجراءات ذات طابع كمي من قبيل تعميم التمدرس ومحاربة الأمية.
فالميثاق الوطني للتربية والتكوين يتكون من قسمين وهو يقرر مسألتين، الزامتين هامتين وواضحتين:
\”تعلن الحقبة (2000-2010) عشرية وطنية للتربية والتكوين.
تعلن التربية أسبقية وطنية أولى بعد الوحدة الترابية\”.
القسم الأول يتطرق للمبادئ الأساسية (المرتكزات الثابتة، الغايات الكبرى، حقوق الأفراد والجماعات وواجباتهم، التعبئة الوطنية لتجديد المدرسة).
القسم الثاني ويشتمل على ست مجالات تنزع نحو التجديد ودعامات التغيير منها: (نشر التكوين وربطه بالمحيط الاقتصادي، التنظيم البيداغوجي، الرفع من جودة التربية والتكوين، المواد البشرية، التسيير والتدبير وأخيرا الشراكة والتمويل).
فالميثاق وإذ يشكل تصورا شاملا للإصلاح التربوي، كفعل سياسي وكمنظومة بيداغوجية وإدارية جديدة وتوافقية\” يشكل من حيث مرجعياته الضمنية ومن حيث المنهجية التي مكنت من تجليته وبلورته. تلك المرجعيات الملتحمة بالآفاق
العريضة والمتظاهرة مع الفكر والعلم الكونيين\”.
ولمقاربة هذه التصورات التي تتوخى الرفع من وثيرة تقدم المجتمع المغربي من خلال تأهيل أفراده لخوض المنافسة العالمية في إطار المزاوجة بين المحلية والعولمة، نطرح عدة تساؤلات على المدرسة والمنظومة التعليميةعلى أساس الموضوعية والنقد الذاتي في خطاب التحديات في ميثاق التربية والتكوين.
- هل المدرسة مؤسسة أيديولوجية بمعنى أنها مؤسسة تسهر على ديمومة واستمرارية الطبقة المسيطرة؟
- -كيف يمكن للإصلاح التعليمي أن يضمن لأمة ما استقلاليتها داخل مجتمع دولي لا يؤمن إلا بمنطق القوة؟
- هل يستقيم الإصلاح القطاعي (التعليم) في غياب منظور شمولي لهذا الإصلاح؟
- هل يخضع إصلاح منظومتنا التعليمية لمنطق التنمية الشاملة داخل ثورة من أهم مميزاتها السرعة الفائقة؟
- ما الهدف من تكوين المواطن، هل نريده صالحا لخدمة وطنه أم كفئا بما فيه الكفاية كي تقبل به سوق الشغل الدولية (الشركات العملاقة)؟.
قبل استحضار بعض الإجابات، والعالم تجتاحه اليوم ما أطلق عليه ألفن توفلر بـ \”الموجة الثالثة\” هذه الموجة التي تعد مزيجا من التقدم التكنولوجي والثورة المعلوماتية الفائقة.
وفي إطار وضع دولي يسوده العنف والمنافسة الدولية لغزو الأسواق و ما يمكن أن يعرفه العالم من نكوص العولمة وفشلها، بعد دخول أمريكا وبريطانيا حربا صليبية ثالثة بالخليح على العراق (مارس2003) والتي حدّدت فشل العولمة (حسب رأينا) في التخلي عن الصراع على الأسواق والمستهلكين والعودة إلى الصراع على المواد الأولية الخام والمستعمرات (النفط عصب المواد الأولية).
ولقياس مدى كون وثيقة الميثاق الوطني للتربية والتكوين حدثا تاريخيا من الناحية التربوية والسياسية لابد من قياس مدى حضور أو غياب المبادئ الأربعة التي صاغها إصلاح 1959.
فمن خلال ما عبّر عنه الميثاق في البندين 24 و26 من تعميم التعليم وإلزاميته نأمل نسبة للنجاح المدرسي بحدود 100%، لكن ولعدم جدية هذين البندين نلاحظ الخلل بالبند 28 الذي يمأسس للإهدار التربوي حيث يضحي بنسبة 10% من
التلاميذ المغاربة في نهاية المدرسة الابتدائية و20% في نهاية المدرسة الإعدادية و40% في نهاية المدرسة الثانوية.
فالتعميم بالميثاق الوطني ونظرا لعدم استناده على قاعدة تحليلية دقيقة ستجد وعوده بعض صعوبات التطبيق كما عرفته المخططات السابقة التي أفرزت تعليم نخبة لا تعليم مواطنة كما أفرزت النسبة المهولة للأمية بالمغرب والتي سطرالميثاق كهدف لمعالجتها والتقليص من النسبة العامة لها بـ 20% في أفق عام 2010 (البند 20)، سنة انتهاء صلاحية الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي ينص على المحو الشبه التام لهذه المعضلة (الأمية) في أفق 2015.
إن أفكار وآراء الميثاق تفتقر إلى قابلية التطبيق لهذا كان لزاما علينا قبل الخوض في الإيقاعات النقدية له أن نُسائله مرة أخرى لتسليط الأضواء (في حدود المساألة) على قصوره في الإجابة على آمال الشعب المغربي في حصوله علىامتداد مشروعه المجتمعي في وثائقه التربوية المعاصرة :
- لماذا تفشت الأمية بشكل مهول وسط الفئات المعدَمة؟
- لماذا يبقى ملايين الأطفال في سن التمدرس خارج المنظومة التعليمية؟
- ما الذي دفع النظام التعليمي إلى هذا المستوى المفجع من الإهدار والفشل الدراسي حيث 13% من الأطفال المتمدرسين فقط يحصلون على شهادة الباكالوريا؟
- ما علاقة الفشل الدراسي الحاصل بسياسة التقويم الهيكلي؟
- ما حصيلة سياسة التعريب المتبعة لحد الآن وما أسباب تراجع الميثاق عنها؟
- ما هي الاسباب الحقيقية وراء تفشي البطالة في صفوف حاملي الشهادات الجامعية والمهنية؟
إن الميثاق الوطني للتربية والتكوين ولعجزه عن الإجابة ، ما هو في الحقيقة سوى ترجمة لتقرير البنك الدولي الذي وضع حدا للخطاب الرسمي حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والذي كان وراء إقبار وثيقة المبادئ التعليمية التي أعدتها \”اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم\” سنة 1995، والتي نصت بشكل واضح على مبدأ مجانية التعليم وعلى مسؤولية الدولة في ضمانه تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص ولمبدأي الإلزامية والتعميم.
إن توفير تغذية للطفل داخل المطاعم المدرسية أو مدّه بالكتب والأدوات \”مجانا\” أو دعم مستواه العقلي \”المتدني\” لا يمنع من استمرارية انتمائه إلى ثقافة المقهورين وإلى وضعهم الاقتصادي والسوسيو-مهني، ضمن هذا الإطار تصبح إجبارية التمدرس إلى سن محددة ناجعة، لكن غير بريئة لإيقاف طموح المحرومين من ولوج الدرجات العليا في سلك التعليم.
أما تعبير \”دمقرطة المدرسة\” أو تعبير \”تساوي الحظوظ\”، نلاحظ أنهما نجحا في شغل حيز واسع من الاستهلاك الدعائي \”المدرسي\” قد يكون هنا الاستهلاك إيجابيا على مستوى نوعية الأفراد والجماعات بمدى تفاوت حظوظ الأطفال في ولوج المدارس وفي الإحراز على درجات عليا من النجاح المدرسي، إلا أنه من صدق القول الاعتراف بان دمقرطة المدرسة مستحيلة في ظل نظام ليبرالي يتغذى ويعيش ويتنفس على حساب الفوارق.
هكذا تبدو أزمة التعليم في المغرب \”أزمة نسق\” بأكمله يختلط فيها السياسي والاقتصادي والثقافي والتربوي…إلخ. وتتحمل مسؤوليتها كل الأطراف… وأول خطوة ينبغي تحقيقها قبل الحديث عن الإصلاح التعليمي ،هي تخليق الحياة العامة لإعادة الثقة في الدولة والإدارة والقضاء على صور الدولة المترهلة: فساد إداري، سرقة المال العام، غياب المحاسبة والمراقبة، شراء أصوات الناخبين، تشجيع الدعارة والمخدرات، اعتماد المحسوبية في إسناد المناصب العليا والدنيا…إلخ.
كل هذه المشاكل العالقة تجعلنا نطرح السؤال على طبيعة استقلالنا، أهو سياسي؟ أم اقتصادي؟ أم ثقافي؟ لأن التغلغل الأجنبي ما زال حاضرا في كثير من أشكاله داخل البنيات الأساسية لمجتمعنا، في التعامل الاقتصادي والمجال الثقافي الذي أحرز مركز انطلاق الإطار الاستعماري الجديد للسيطرة على شعوب العالم الثالث.
هوامش الدراسة
1- د. الحبيب المالكي، حوار أجرته مجلة عالم التربية، الرباط في
30/04/1997، العدد 5، خريف 1997، الصفحة 16.
2 الميثاق الوطني التربية والتكوين، النص الكامل، منشورات المركز
المغربي للإعلام، الإيداع القانوني 2001/1706، الطبعة الأولى، أبريل
2001،الصفحة:
3 عبد الكريم غريب، \” إرهاصات التحديث التربوي في التعليم المغربي\”،
مجلة عالم التربية، العدد 13، سنة 2003، الصفحة 233.
بقلم : الباحث عبد النور إدريس
عضو هيئة تحرير مجلة التربية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال عبارة عن جزء من الدراسة المنشورة بمجلة التربية(الاشكالات التعليمية بالمغرب، رهان الماضي والمستقبل) العدد الأول يونيو 2005 التي تصدرها الأكاديمية الجهوية للتربية والتعليم بجهة مكناس /تافيلالت.

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: موسوعة علوم التربية 2016 © سياسة الخصوصية تصميم : كن مدون