قيم المدرسة وقيم المجتمع
من البدا هات القول بان المدرسة، كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية،
ترتبط بنيويا ووظيفيا بالمحيط السوسيو-
ثقافي العام
للمدرسة؛ أي هناك علاقة جدلية بين المدرسة والمجتمع، حيث تعمل المدرسة على تربية
وتنشئة المتعلمين وفق المعارف و الإيديولوجيات والقيم التي يحددها المجتمع(الدولة)
في فلسفته واختياراته التربوية التي تهندس وتبنى و تضبط البرامج والمناهج التربوية
والتكوينية.
لكن، هل هناك دائما تناسق وتوافق بين قيم المدرسة، التي تعمل
على تمريرها وبنائها لدى المتعلمين، وقيم المجتمع كما هي في الواقع العيني
والممارس؟
تعمل المدرسة المغربية
الحالية، من خلال الإصلاح الجديد للمنظومة التربوية، على إقحام التربية على القيم
في مناهجنا وبرامجنا التربوية، وهذا مانجده بالفعل في منطوق الميثاق الوطني
للتربية والتكوين والكتاب الأبيض؛ حيث يتم الانطلاق من التربية على القيم
الإسلامية ومبادئها السمحة، والتربية على
الهوية الحضارية ومبادئها الثقافية والأخلاقية، والتربية على المواطنة، والتربية
على حقوق الإنسان والديمقراطية.
هذه هي قيم المدرسة التي تطمح إلى بنائها وغرسها في شخصية
المتعلم، لكي تترجم إلى تمثلات وسلوكيات مجتمعية. لكن هذه القيم المدرسية هل لها
فعالية ومصداقية خارج أسوار المدرسة؟(بل أحيانا داخل المؤسسات التربوية نفسها؟!)
في الواقع، نجد المجتمع المغربي يتخبط في عدة مظاهر سلوكية
وقيمية سلبية ومتناقضة منها، تفشي القيم الرأسمالي والليبرالية المتوحشة،
الفردانية والأنانية، الاستلاب الثقافي و الاستهلاكي، المصلحة الفردية الضيقة،
الإباحية، الانحلال الخلقي العام...كما نلاحظ شبه غياب لروح المواطنة المسؤولة
والغيورة على حاضر ومستقبل البلاد و العباد ،والمعتزة بالإ نتماء الوطني، إذ نلمس
سيادة نهب المال العام، تدني وتخريب الخدمات والمؤسسات العمومية، التسيب السياسي و
الإداري و الاقتصادي، حلم الهجرة و"الحريك"، تحقير وازدراء كل ما هو
وطني،إحراق العلم الوطني، تفشي الشوفينية و أشكال التمييز الطبقية والمجالية
واللغوية...وعلى مستوى حقوق الإنسان و مطلب الديمقراطية، لازلنا نسجل بعض الظواهر
السلبية، كالتلاعب بإرادة الناخبين و التغرير بها في الإنتخابات المؤسساتية وفي
بعض الهيآت السياسية والنقابية والجمعوية، توسع دائرة الفقر والتهميش، وتردي
واحتضار الخدمات العمومية التي تضمن الحق في العمل والصحة والسكن والتعليم والكرامة
والعيش الكريم، بالإضافة إلى تناسل أشكال التمييز و عدم الشفافيةواللامساواة
واللاإنصاف في كثير من دواليب المؤسسات وكيفية اشتغالها ( الرشوة، اللاعقاب،
العنف، الإهانة، المحسوبية والزبونية، عدم تكافؤ الفرص...)
نعم، هناك استثناءات، وهناك مجهودات رسمية تبدل داخل معظم
المؤسسات، بما فيها المدرسة، وذلك من أجل القضاء على بعض مظاهر الفساد العام بما
فيه الفساد القيمي، لكن كل تلك المجهودات تبقى غير كافية، أمام استفحال ظاهرة
الفساد القيمي العام، وعدم التفعيل الجدي لدولة الحق القانون ولقيم العدالة
والديمقراطية الحقيقية والشاملة.و مهما ربت المدرسة المتعلمين على القيم الإيجابية
والفاضلة، تبقى قيم المجتمع هي الحاسمة والمهيمنة، وهي التي تدعم وتضمن فعالية
ومصداقية القيم المدرسية؛ في كلمة واحدة، يجب أن تكون قيم المدرسة هي قيم المجتمع
بمؤسساته الإدارية والقانونية والثقافية والإعلامية و السياسية... وبأفراده،
وخصوصا المسؤولين والنخبة منهم، ليكونوا القدوة والمثال في الأخلاق والقيم
المواطنة والفاضلة للصغار والكبار على السواء.أي جعل قيم المدرسة قيما حقيقية
ومعيشة في المجتمع، وليس مجرد مثاليات وطوباويات تنتهي صلاحيتها عند انتهاء الدرس
البيداغوجي للقيم في المدرسة والخروج منها إلى الحياة الخاصة والعامة./.
* محمد الصدوقي
ليست هناك تعليقات: