تحميل الكتاب

الجمعة، 11 مايو 2018

دور الأسرة والمعلم في عملية الإدماج


دور الأسرة والمعلم في عملية الإدماج
الموضوع:  التربية عملية إدماجية ، موضوعها إدخال الفرد تدريجيا في الجماعة التي هو مدعو إلى أن يكون عضوا فيها ، وأن يتمسك بمعتقداتها وعاداتها ومشاعرها ، وأنماط نشاطها . وبصفة عامة مصيرها. ولكن هذا الإدماج الخارجي، وهذا التكيف بين الفرد والجماعة غير ممكن، إلا بواسطة إدماج داخلي، أي أن موضوع التربية هو تنسيق وتركيز جميع أصناف القوى التي يمتلكها الفرد.
حلل وناقش هذا الرأي.
مقدمة:
مما لاشك فيه أن العلاقة بين البيت والمدرسة والمجتمع تمثل قضية تربوية هامة، لأنها عملية تربوية تستلزم التعاون الوثيق. إن انتقال الطفل من الجو العائلي إلى الجو المدرسي، هو انتقال من علاقات شخصية، تقوم على الاتصال العاطفي والألفة إلى علاقات تقوم على المعايير والضوابط الاجتماعية.
وفي هذا الإطار تلعب التربية الأسرية والمدرسية دورا هاما في عمليات الإدماج الاجتماعي للطفل في المجتمع، وفي عملية تكييف الطفل مع معايير الجماعة. ويطرح النص الذي نحن بصدد تحليله علاقة التربية بعملية إدماج الطفل ضمن الجماعة وتطبيعه بنظامها على مستوى التكييف مع شروط البيئة الاجتماعية، كما يعرض أيضا لشروط رعاية الطفل منذ صغره، أي في مرحلة السنوات الأولى من حياته، وما تتطلبه هذه الرعاية من إدماج داخلي على مستوى تنسيق وتركيز وتوحيد القدرات المختلفة التي يمتلكها الطفل.
ويمكن أن نحلل القضيتين الأساسيتين اللتين يطرحهما النص من خلال معالجة النقاط الآتية:
1- ما هو دور الأسرة في عملية الإدماج ا لخارجي؟
2- ما هي علاقة المدرسة بهذه العملية الإدماجية؟
3 – ما هي مسؤولية المعلم في الإدماج الداخلي؟
التحليل:
1- تبدأ عملية إدماج الطفل في الجماعة منذ السنوات الأولى للطفولة وتناط هذه المهمة التربوية بالأسرة، وهذه العملية الإدماجية في الواقع تنشئة اجتماعية يقوم بهـا الآباء وتهدف إلى تهيئ السبيل لنمو شخصية الطفل نموا متكاملا منسجما يؤهله للدور الذي سيمارسه في بيئته. ويرى كثير من الباحثين أن الأسرة تلعب دورا خطيرا في هذه العملية، وذلك لأن الطفل في السنوات الأولى من حياته يكون قابلا للتأثر ، سهل التتطبع ، شديد القابلية للتعلم، قليل الخبرة، سريع التقليد ، ولهذا تكون مرحلة الطفولة مرحلة حاسمة في تشكيل الشخصية، لأن ما يتطبع به الطفل خلالها من عادات ومعتقدات ، وما يتكون في نفسه من عواطف وانفعالات يصعب تغييره.
وتتميز الفترة الواقعة مابين الثالثة إلى السادسة ، عل الخصوص، باعتبارها فترة بناء الشخصية ، حيث يكون الطفل في هذه المرحلة بالذات بالغ الحساسية بالعوامل البيئية المحيطة به.
ويلاحظ أن الطفل في هذه المرحلة، ينشط كثيرا في الأعمال ذات الصبغة الجماعية، ولهذا ينبغي تمرين الأطفال على الاندماج السليم في جماعات الأطفال الذين يقاربونه في السن، ومع البالغين من غير آبائهم ، بحيث يصبح الطفل قادرا على الاندماج والتوافق مع جماعة الأنداد ومنسجما مع الجو المدرسي بنشاطاته المختلفة، وبذلك يتعلم طاعة البالغين، وقبول الضوابط الاجتماعية.
ويمكن للأسرة أن تدعم جهود الطفل خلال عملية الاندماج ، فهي تقوم بدور هام وعظيم في تنشئة الطفل، ومساعدته على الاستمرار في تخطي المراحل التعليمية بنجاح، ويقع على عاتق الأسرة مساعدة الطفل في تنمية قدراته ومهاراته، وفي تطوير شخصيته وإكسابه الخبرات والتجارب المختلفة. ومن الواضح أن أي اضطراب أو تفكيك يصيب بنية الأسرة(وفاة،طلاق، صراع.....) لابد أن يؤثر في الأبناء...ويمكن أن يؤدي إلى اضطرابات أو عوائق تقف في سبيل نمو وتفتح شخصياتهم. كما أن التطورات التي تلحق بالأسرة نتيجة تطور المجتمع ككل، تكون لها ضغوط وانعكاسات على نفسية الأبناء وتتجلى على مستوى تفكيرهم وأنماط سلوكهم.
ولقد عرفت الأسرة نتيجة التطور الحضاري والتقدم العلمي والتكنولوجي عدة تغيرات على مستوى وظائفها في التنشئة الاجتماعية والوظيفة التربوية والاقتصادية وغيرها. وأدى هذا التطور إلى التقليص من وظائف الأسرة، فنشوء المؤسسات التربوية والدينية والصحية والتجارية والاقتصادية وغيرها، قد خفف عن الأسرة كثيرا من الأعباء والعمال.
وهكذا بقيت للأسرة وظيفتان أساسيتان : وظيفة بيولوجية، وهي التكفل بحفظ النسل واستمرار النوع البشري، ثم وظيفة تربية الأبناء ورعايتهم وإعدادهم للاندماج في المجتمع، عن طريق تقديم الدعم الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لهم، وعن طريق تزويدهم بوسائل وأساليب تمكنهم من التكيف مع الحياة الاجتماعية، خصوصا في مراحل الطفولة التي تعتبر ذات أهمية قصوى في حياتهم.
ولقد استنتج الباحثون في موضوع تطور الأسرة أن تقلص المكانة التي تحتلها حاليا داخل المجتمع، نتيجة الضغوط التي مورست عليها من كل الجهات، فقد أدى إلى تخلخل في القيم والمعايير الأساسية في المجتمع، إذ تغيرت نظرة الأطفال المراهقين والشباب إلى كثير من المسائل الخاصة بالأسرة والمجتمع مثل:(سلطة الأب،الزواج،تحرر الفتاة، اشتغال المرأة...)
2- ولا يقل دور المدرسة عن دور الأسرة في عملية الإدماج...إن الدخول إلى المدرسة في السنة السادسة أو السابعة من العمر حدث هام في حياة الطفل، فالدخول إلى المدرسة يعد قطيعة شبيهة بالفطام العاطفي، وهذا الفطام يتطلب جهدا انفعاليا، ينبغي أن يتحمله الطفل من أجل التوافق مع النظام المدرسي. سيجد الطفل نفسه مضطرا للتواجد بصفة منتظمة مع جماعة الأنداد، وعليه أن يقيم علاقات تفاعل اجتماعي مع أطفال لا يتشابهون معه تماما، ولا يتوادون معه دائما...وهذه التجربة ليست يسيرة على الطفل المتمركز حول ذاته.
سيجرب الطفل لأول مرة في حياته وسطا عاطفيا محايدا بالنسبة له، وعليه أن يصنع لنفسه مكانا في الوسط المدرسي دون أن يحظى فيه بحب الوالدين، ولأول مرة عليه أن يتكيف مع ضغوط لا محيد عنها، ولم يسبق له أن عانى منها، ولأول مرة سيجد نفسه كائنا وسط جماعات متعددة، ولا يحظى فيها بالحنو المعهود للوالدين.
وهكذا يعاني أطفال السنة الأولى من المدرسة الأولية أو الابتدائية من نقص في الشهية، وانقطاع النوم، ونقص الوزن، نتيجة الجهد الذي يبذلونه أثناء توافقهم مع الجو الجديد، والتحاقهم بجماعة القسم والمدرسة.
ويتميز الدخول إلى المدرسة باكتشاف الحياة الاجتماعية، ولأول مرة وبصفة منتظمة ومستمرة، سيدخل الطفل إلى المجتمع وينتسب إلى جماعة من الأنداد تتجانس معه في العمر والقدرات الجسمية والعقلية، وتتاح للطفل الفرصة لإقامة علاقات من التفاعل مع هذه الكائنات التي تماثله. وانطلاقا من السنة السابعة، ستلعب جماعة الأنداد أهمية أكبر في حياة الطفل أكثر من الأسرة، وسينصب انشغاله على البحث باستمرار على أصدقائه ليتنافس معهم، ويؤكد شخصيته في وسطهم.
وفي وسط هذه الجماعة سيضمحل التمركز الذاتي الطفو لي، وسينشأ الانسجام الداخلي، ويتمكن الطفل من التحاور والتعاون مع أصدقائه، وهكذا تجد العواطف(الغيرية) أرضية خصبة للتفتح. لقد بينت الدراسات أن أطفال السادسة والنصف والسابعة يميلون تلقائيا إلى الجماعة، ويبدون الرغبة في اللعب مع الآخرين انطلاقا من منتصف السنة السادسة.
وفي الوسط المدرسي أكدت أبحاث علم النفس الاجتماعي على أهمية ديناميات الجماعة، باعتبارها وسيلة ناجحة لإدماج الطفل في جماعته والتخفيف من تمركزه الذاتي، فهي تهدف إلى التعليم عن طريق تنشيط جماعي يشارك فيه جميع الأطفال.
وهنا يلعب المعلم دورا هاما وأساسيا في إدماج الطفل مع أنداده وتمكينه من التوافق معهم، وفق الشروط التي تتمسك بها الجماعة، إن قدرة المعلم على التعامل مع الطفل كبديل للأب أو الأم  هو أمر هام في نمو شخصية الصغير، فهو يقوم بدور القدوة أو النموذج للصغار، فهم يمثلونه، وينطبعون بشخصيته، فالتلاميذ كثيرا ما يستعيضون عن اتجاهات آبائهم باتجاهات أخرى يستمدونها من المعلمين.
وهكذا يبدو دور المعلم عظيما من الجوانب النفسية والاجتماعية فضلا عن الجوانب التعليمية، فلكي يدمج الطفل في الجماعة ، عليه أن يخلق جوا تربويا ونفسيا سليما في حجرة الدراسة، وذلك من خلال العلاقات التفاعلية بينه وبين التلاميذ بعضهم ببعض.
وفي إطار إدماج التلميذ داخل الجماعة ، ينبغي أن يتفهم المعلم نفسية هذا التلميذ ، ويحسن معاملته، بحيث لا تتصف هذه المعاملة بالسخرية أو الزجر، فالموقف الجديد يتطلب كثيرا من الدقة في المعاملة، وكثيرا من الألفة والتقارب والانفتاح في الكلام والاتصال.
3-  وإذا انتقلنا من إطار الإدماج الخارجي الذي وضحنا فيه أهمية تكييف الفرد مع الجماعة إلى إطار الإدماج الداخلي والذي قصد به صاحب النص توحيد جميع الطاقات التي يمتلكها الفرد، ورعايته منذ مرحلة الطفولة الأولى، أي في مرحلة ما قبل الدراسة النظامية، فإننا نلاحظ أن معظم الدراسات النفسية تؤكد على أهمية الرعاية في هذه السنوات الست الأولى.
إن الأطباء النفسيين يتفقون على أن هذه السنوات تلعب الدور الأكبر في تشكيل الشخصية وبنائها، ففي هذه السنوات تنمى القدرات اللغوية، وتظهر المشكلات العاطفية، وتبنى العلاقات الاجتماعية في أولياتها الأساسية.
 وبناء على هذه الآراء التي تدعمها التجربة ،فإن 50℅ من النمو العقلي للطفل حتى سن السابعة عشرة يعتمد أساسا على المكتسبات والتجارب التي حصل عليها الطفل في السنوات الأربع الأولى من حياته، بينما يتكون 30℅ من النمو العقلي بين سن الرابعة والثامنة.
وهكذا نجد أن الأطفال في سن الدراسة النظامية أي بين السنة السابعة والسابعة عشرة، إنما يسعون إلى تكملة 20℅ فقط من عملية النمو العقلي للشخصية، ومن تم أهمية التربية في السنين الأولى. إن نمو الطفل في تلك المرحلة الحرجة يحتاج إلى الكثير من الاهتمام لأنها مرحلة تتميز بالنمو السريع، وتنفرد بأنها الفترة التي تبرز فيها القدرات.
إن الطفل في هذه المرحلة غير قادر على التمييز بين ذاته والآخرين والأشياء، ولا يكاد يحدد نفسه في الزمان والمكان ، فهو يميل إلى الانصهار في العالم المحيط به، فلا يفرق بين صوته وأصوات الآخرين من حوله، ويبرز هذا التمركز الذاتي في جميع تصرفات الطفل وسلوكه.
وإذا نظرنا إلى مراحل النوم في فترة التمدرس أو ما قبل التمدرس سواء في إطار الإدماج الخارجي أو الداخلي ، نلاحظ أهمية المسؤولية التربوية الملقاة على عاتق المعلم، من حيث تدعيم شخصية الطفل وتنمية قدراته اللغوية والعقلية والعاطفية والاجتماعية.
وكذلك في تجاوزه لمرحلة التمركز الذاتي وانتقاله إلى مرحلة تظهر عنده فيها إمكانيات الارتباط مع الآخرين في العمل والمناقشة واللعب، ليصبح قادرا على الفهم والحوار وتقديم الأدلة والبراهين لإبراز وجهة نظره، وهذه هي مرحلة الاندماج والتعاون الجماعي الذي يساعد على التحصيل المدرسي بشتى ألوانه.
ومما لاشك فيه أن إلمام المعلم بالفروق الفردية في الذكاء والشخصية، لمن شأنه أن يمهد له السبيل لفهم قدرات الأطفال وجوانب انفعالاتهم وميولهم. ونقصد بالفروق الفردية تلك الخصائص التي يتميز بها كل تلميذ عن آخر، من حيث الصفات الجسمية والعقلية والخلقية والمزاجية، وتعتبر الفروق العقلية من أهم مظاهر الفروق الفردية. وانطلاقا من تفهم هده الفروق وخصائصها وعواملها، يمكن للمعلم أن يحل كثيرا من المشاكل النفسية والتربوية للأطفال ويتمكن من تذليل الصعوبات التي تنشأ عن الإدماج.

خاتمة:يتضح مما سبق أن التربية في الأسرة أو في المدرسة تسعى إلى إدماج الطفل في الجماعة والمجتمع، ففي نطاق الأسرة يحاول الآباء تكييف الطفل مع الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، حتى يتمكن من فهم أنظمة المجتمع وثقافته ويندمج فيها..وفي نطاق المدرسة أشرنا إلى دور المدرسة في إخراج الطفل من تمركزه الذاتي، وإلى دور المعلم في تعويد الطفل على الاندماج عن طريق أساليب دينامية الجماعة. ونستنتج أخيرا أن إدماج الطفل في الجماعة لايمكن أن يتم في غياب عملية التنشئة الاجتماعية السليمة، وفي إطار من الشروط الموضوعية التي لاتمس عادات وتقاليد ومقومات البيئة المحلية والوطنية، وهذا لايتأتى إلا عن طريق وعي الآباء والمعلمين ، وتفهمهم لعملية الدمج وأهدافها.

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: موسوعة علوم التربية 2016 © سياسة الخصوصية تصميم : كن مدون