تحميل الكتاب

الجمعة، 11 مايو 2018

منهج المواد الدراسية المنفصلة Separated-Subject Matter Curriculum


منهج المواد الدراسية المنفصلة

Separated-Subject Matter Curriculum


مقدمة:
يعدّ ترتيب المواد المدرسية على شكل موضوعات منفصلة من أقدم المداخل في تنظيم المنهج المدرسي، وأكثرها انتشاراً، وذلك لسهولة تنظيم المعرفة من اجل تحقيق التعليم. فضلاً عن الوثوق أكاديماً في المعرفة وإضافة الجديد منها للمنهج دون إحداث خلل فيه، وكذلك إمكانية تعديل المنهج بما يناسب التخصص المتزايد للمعرفة.

وترجع أصول منهج المواد الدراسية المنفصلة إلى الفنون السبعة الحرة التي سارت عليها مدارس الإغريق القدماء، حيث قسمت الفنون السبعة (سمعان ولبيب) إلى ما يطلق عليه الثلاثيات والرباعيات، وتشمل الثلاثيات: النحو المنطق والبلاغة. وتشمل الرباعيات الحساب والهندسة والفلك والموسيقى. لقد كانت هذه المواد هي بداية منهج المواد الدراسية المنفصلة ثم أضيفت عبر التاريخ والعصور الحديثة مواد أخرى مثل الأدب والتاريخ، واتسع مجال الرباعيات فشملت الجبر والحساب والمثلثات والجغرافية والنبات والحيوان والطبيعة والكيمياء، ثمّ ازداد عدد المواد الدراسية زيادة هائلة إلى وصلت في العصر الحديث ثلاثمائة مادة دراسية منفصلة في عام 1930، وبالرغم من هذا العدد الهائل إلا أن الفنون السبعة الحرة ما زالت النواة الرئيسية للمواد.

بشكل عام يعدّ منهج المواد الدراسية المنفصلة تنظيماً نتهجياً متمركزاً حول المعرفة في شكل يفصل مجالاتها عن بعضها بعضاً دون ترابط بين موضوعاتها أو تكامل في تدريسها أو تنسيق بينها بشكل عام.

وينطلق هذا النّوع من التنظيم في تركيزه الواضح على المعرفة، من اعتقاد فلسفي قديم يتناول الطبيعة الإنسانية تناولاً ثنائياً، حيث يرى في الإنسان على أنّه عقل محمول على جسم، وأنّ العقل أسمى من من الجسم، بحكم انتمائه إلى عالم أسمى من العالم الذي ينتمي إليه الجسم، حيث ينتمي العقل إلى عالم المثل، عالم الحق والخير والجمال، عالم خالد وأبدي، علماً بأن العقل في هذا المفهوم كان ملماً بكل المثل والقيم والفضائل، بينما ينتمي الجسم إلى عالم المحسوسات، عالم الشرور والآثام والحروب، وكان نتيجة لذلك ظهور الشعار الذي يقول بأن العلم تذكر والجهل نسيان. فمهمة التربية إذن مساعدة العقل على التذكر والاسترجاع.

ومع حركة الفكر الفلسفي في التاريخ اعتقاد آخر كما جاء عند جون لوك على سبيل المثال مؤداه أن عقل الإنسان كالصفحة البيضاء يحتاج إلى من يعمل على ملئه، ومن ثمّ كان النظر إلى العقل على أنه وعاء فارغ يجب حشوه بالمعلومات.

ثمّ ظهر اعتقاد سيكولوجي الطابع، نظر إلى العقل على أنّه مكوّن مِن مجموعة من الملَكات، وكل ملكة تعمل في انعزال أو انفصال عن بقية الملكات، كما أن كلّ ملكة من الملكات تحتاج إلى نوع خاص من المعرفة لتدريبها وإنمائها.

يتضح لنا وفق المنظورات السابقة المبررات والحجج القوية التي تنادي بتقديم المعرفة وتنظيم المنهج المدرسي في صورة مواد دراسية منفصلة عن بعضها بعضاً، ومنعزلة عن حياة المتعلمين ومجتمعهم. هذا وقد تمّ النّظر إلى المواد الدراسية المنفصلة بطريقة متميزة على أساس تفضيل بعضها على بعضها الآخر في ضوء قيمة كلّ منها حسب الملكة العقلية التي تسهم في تنميتها.

وقد حاولنا في هذه الدراسة البحثية التعرض لهذا المنهج بالعرض والنقد، ذاكرين ماله من إيجابيات وما عليه من سلبيات، فبعد مقدمة تاريخية مستفيضة عن بروز هذا المنهج، قسمنا البحث لأقسام أربعة، هي: فلسفة منهج المواد المنفصلة، وخصائص منهج المواد المنفصلة، ومزايا منهج المواد المنفصلة، وأخيراً نقد منهج المواد المنفصلة.

فإن أصبنا فمن الله وإن أخطأنا فمن أنفسنا.

أوّلاً: فلسفة منهج المواد الدراسية المنفصلة:
يتكون منهج المواد الدراسية المنفصلة من عدد من المواد الدراسية التي تُدرس منفصلة بعضها عن بعض، ومنظمة تنظيماً منطقياً، حيث يخصص لكل مادة دراسية فترة زمنية محددة في جدول اليوم الدراسي، وفي معظم الأحيان تقسم المادة الدراسية الواحدة إلى أقسام مثل مادة الدراسات الاجتماعية، تقسم إلى تاريخ، وجغرافية، وتربية قومية أو وطنية. ومادة اللغة العربية تقسم إلى أدب، ونحو، وقراءة، وكتابة، وإملاء، وخطّ، حتى الأدب يقسم إلى نصوص، وبلاغة، ونقد قديم، وتاريخ أدب. وتقسم القراءة إلى قراءات متعددة الموضوع، والتعبير ينقسم إلى تعبير شفوي وتعبير كتابي. وهكذا في شتى العلوم.

وينادي أصحاب هذه الفلسفة في التنظيم بأنه لا سبيل إلى التربية إلا بالمواد الدراسية، وتقضي هذه النظرة إلى تفضيل بعض المواد على بعض من حيث قيمتها في تدريب العقل. وقد أدّى ذلك إلى الكثير مِن الجدل حول تنظيم المحتوى. والدفاع الرئيس عن تنظيم المحتوى هو أنّ المواد وسيلة منطقية وفعالة لتنظيم المعرفة الجديدة، وتمكن التلاميذ من أن ينموا معارفهم في قليل، والسيطرة على مثل هذه الكمية الهائلة من المعرفة في وقت قليل لكي يتمكنوا من استخدامها (أبو العز:2005).

وهذه المسلمة مبنية على مسلمة أخرى مؤداها أن تخزين المعرفة المنظمة وسيلة أساسية للتطبيق في المستقبل، وهذه المسلمة قد رفضها علم النفس التعليمي الآن، فقد أشار ميلز إلى أن المشكلة الأساسية للذاكرة الإنسانية ليست في الاختزان بل في الاسترجاع.

ولكن من الناحية العملية فإن تنظيم منهج المواد الدراسية المنفصلة يحظى بدعم المعلمين الذين تم إعدادهم وفق هذا التنظيم، وكذلك التقليد المتوارث التي يحث على احترام هذا المنهج، بالإضافة إلى تميز هذه المنهج عن غيره بسهولة التخطيط والتنفيذ (حميدة:د.ت).

ثانياً: خصائص منهج المواد الدراسية المنفصلة:
1- التخطيط:
من أبرز خصائص منهج المواد الدراسية المنفصلة، أنه يخطط مسبقاً أي قبل حضور التلاميذ إلى المدرسة، وتخطيط منهج المواد المنفصلة أيسر وأبسط من تخطيط المناهج الأخرى مثل منهج النشاط والمحوري والوحدات إلخ (أبو العز:2005).

2- اختيار محتوى المنهج وتنظيمه في إطار معرفي:
يتم اختيار وتنظيم محتوى المواد الدراسية المنفصلة على أساس التنظيم المنطقي للمادة، ولقد ظهر هذا الإتجاه في العشرينات من هذا القرن على أساس أنه ثورة على المعرفة الضيقة، ويقتضي هذا الأسلوب من تنظيم المحتوى ترتيب الموضوعات على النحو التالي (سعادة وإبراهيم: 2001):
أ- الانتقال من الماضي إلى الحاضر:
مثال ذلك عند دراسة الأدب نبدأ بدراسة الأدب الجاهلي ثم صدر الإسلام ثم الأموي والعباسي، وهكذا. وعند دراسة التاريخ نبدأ بالتاريخ الفرعوني ثم اليوناني والروماني ثم الإسلامي وهكذا.

ب- تنظيم المحتوى من البسيط إلى المركب:
مثال ذلك في مادة اللغة العربية، حيث الانتقال من البسيط إلى المركب، ومن المبني للمعلوم إلى المبني للمجول، ومن المحسوس إلى المجرد. وفي الأحياء مثلاً، يتم دراسة الكائنات الأولية ثم تليها دراسة الحيوانات الأكثر تعقيداً وهكذا، وفي مادة الرياضيات يتم دراسة العمليات البسيطة مثل الجمع ثم الطرح ثم الضرب ثم العمليات المركبة ثم عملية القسمة التي تتطلب القيام بعمليات الضرب والجمع والطرح وهكذا.

ج- تنظيم المحتوى من الجزء إلى الكل:
مثال ذلك، عند دراستنا للغة نبدأ بدراسة الحروف أولاً ثم بعد ذلك الكلمات ثم الجمل والتركيبات اللغوية وهكذا، وعند دراستنا لمادة الحساب نبدأ بتعلم الأرقام ثم الأعداد ثم العمليات الحسابية المعقدة وهكذا.

د- تنظيم المحتوى من السهل إلى الصعب:
مثال ذلك، في النحو مثلاً، يدرس التلميذ المبتدأ والخبر ثم أنواع المبتدأ ثم أنواع الخبر ثم تقديم الخبر على المبتدأ ثم حذف المبتدأ أو الخبر جوازاً أو وجوباً وهكذا. وفي الحساب تتم دراسة عمليات الطرح بدون استلاف ثم الطرح بالإستلاف أو يدرس الجمع بدون حمل ثم الجمع بالحمل أو تدرس القسمة بدون باقي ثم القسمة بباقي ثم القسمة المطولة وهكذا، أي أننا نبدأ بالأشياء التي يسهل فهمها حتى يتم الوصول إلى الأشياء الأكثر تعقيداً.

3- دور المعلم:
يقوم المعلم بدور إيجابي في العملية التعليمية حيث يقع عليه عبء شرح وتلقين التلاميذ المعلومات التي يتضمنها الكتاب المدرسي، وعليه توضيح ما يصعب على التلاميذ فهمه، وكلما كان المعلم متعمقاً في مادته الدراسية كان ذلك دليلاً على قدرته على بلوغ أهداف منهج المواد الدراسية المنفصلة، أما بقية الأهداف التربوية الأخرى فلا تقع في دائرة اهتمام المعلم حيث التركيز على المعلومات دون غيرها من جوانب التعلم الإخرى، وبالتالي يمكن القول أن الدور الأساسي للمعلم في ظل هذا المنهج هو توصيل وشرح المعلومات للتلاميذ (الوكيل والمفتي:1998).

4- دور التلميذ:
أهم ما يميز دور التلميذ في ظل منهج المواد الدراسية المنفصلة هو السلبية، حيث على التلميذ أن يجلس في الفصل ليتلقى المعلومات من المعلم عن طريق الشرح والتلقين،ثم عليه بعد ذلك أن يحفظ تلك المعلومات التي تلقاها من المعلم، التي يتضمنها الكتاب المدرسي، استعداداً لاسترجاعها في امتحانات نهاية العام أو الامتحانات الشهرية(مصطفى:2001).

5- دور الكتاب المدرسي:
يعتبر الكتاب المدرسي المصدر الأساسي للمعلومات حيث يقوم خبراء المادة والمتخصصون بوضع المادة الدراسية في كتب يتسلمها التلاميذ في أول العام الدراسي، ويكون المصدر الأساسي في العملية التعليمية التي يرجع إليها التلاميذ لحفظ ما بها من حقائق ومعلومات استعداداً للامتحانات في نهاية العام، وفي نفس الوقت يقوم المعلم بالإستعانة بالكتاب المدرسي عند تخطيط دروسه وعند وضع الامتحانات، ويتخذه التلميذ مرجعاً إليه كلما حاول أن يتذكر أو يتأكد من استظهار ما قام المعلم بشرحه من معلومات وحقائق، وعلى ذلك يكون الكتاب المدرسي الدعامة الأساسية التي يرتكز عليها منهج المواد الدراسية المنفصلة، لأنه يتضمن المعلومات المراد تزويد التلاميذ بها، وبمرور الوقت أصبح للكتاب المدرسي دورمقدس في هذا المنهج، حيث يتقيد المعلم بكل ما فيه من معلومات، ويعمل التلميذ على استظهار كل ما فيه من معلومات، وتعمل الامتحانات على قياس استيعاب التلاميذ لكل ما يتضمنه الكتاب المدرسي (الوكيل والمفتي:1998).

6- طرق التدريس:
تعتبرالطريقة الإلقائية اللفظية هي أكثر طرق التدريس استخداماً من جانب المعلمين وذلك لأنها تساعدهم على شرح أكبر قدر من المعلومات في أقل زمن ممكن، وبما أن المعلمين مطالبون بإتمام المقررات الدراسية قبل بدء الامتحانات، لذلك نراهم يفضلون طريقة الإلقاء أو المحاضرة على غيرها من طرق التدريس الأخرى، لأن الهدف الأساسي الذي يرغبون بلوغه هو تحصيل التلاميذ لأكبر قدر من المعلومات استعداداً للامتحانات في نهاية العام(أبو العز:2005).

7- الأنشطة المصاحبة على هامش المنهج:
ينظر منهج المواد الدراسية المنفصلة إلى الأنشطة المصاحبة على أنها على هامش المنهج، وليست من صميمه أو حتى جزءاً منه، ولذلك نرى التلاميذ يمارسون أنشطتهم المختلفة بعيداً عن المناهج الدراسية من خلال الهوايات أو الإذاعة المدرسية أو مجلات الحائط، ولكن الشئ المؤكد أن تلك الأنشطة لا تربطها بالمقررات الدراسية أية صلات بل هي أنشطة تلقائية دون تخطيط من المعلم أو من إدارة المدرسة، وفي ظل هذا المنهج نرى نوعين من النشاط هما:
أ- النشاط الحر الترفيهي:
وهو يتمثل في الرحلات والمعسكرات والمسابقات والألعاب الرياضية، وكأن الهدف من هذا النشاط هو الترفيه عن التلاميذ حتى يتمكنوا من تجديد نشاطهم فيقبلواعلى الدراسة بمزيد من الاهتمام.

ب- النشاط التعليمي:
ويتلخص في القيام ببعض التجارب المعملية أو الاشتراك في جمعية اللغات أو الجغرافيا أو العلوم وغيرها، وفي كلتا الحالتين فإن النشاط الذي يقوم به التلاميذ يتم في نطاق ضيق في بداية العام الدراسي ثم ما يلبث أن يقل تدريجياً حتى ينعدم نهائياً عند اقتراب موعد امتحانات آخر العام(قورة:1985).

8- التقويم:
إن ارتباط عملية التقويم بأهداف المنهج يجعل نتائج التقويم التي نحصل عليها ذات قيمة خاصة في تحديد مستوى بلوغ الأهداف، وعلى ذلك فإذا كان من أهم أهداف منهج المواد الدراسية المنفصلة المعلومات، فإن عملية التقويم تقتصر على إعداد الاختبارات التي يمكن عن طريقها التأكد من أن التلاميذ إستظهروا ما درسوه من معلومات وحقائق، وهي عادة متسقة ومقسمة في موضوعات محددة في الكتاب المدرسي، ولذلك تهتم عملية التقويم بدرجة فهم وتذكر التلميذ للمحتوى الذي درسه وقدرته على استعادة ذلك المحتوى، وبالتالي فإن أكثر الطرق استخداماً في التقويم هي الاختبارات التحصيلية وبصفة خاصة أسئلة المقال(حميدة:د.ت).

9- منهج المواد المنفصلة ومشكلات المجتمع:
يركز منهج المواد الدراسية المنفصلة على المادة الدراسية ويعطيها أهمية خاصة على أساس أنها الغاية التي يرجى تحقيقها والهدف المطلوب بلوغه، ومن هنا ترى إهمال المنهج لمشكلات المجتمع وإنفصاله عن الحياة والبعد عن خبرات التلاميذ، مما يضعف لديهم ويقلل من فرص تطبيق ما تعلموه في حل مشكلات الحياة التي توجد في المجتمع، وبالتالي فإن الظاهرة الواضحة بالنسبة لمنهج المواد المنفصلة هي الانفصال بين المواد الدراسية التي يدرسها التلميذ في المدرسة وبين مشكلات المجتمع الذي يعيش فيه التلميذ(الجمل:2000).

ثالثاً: النقد الذي وجه إلى منهج المواد الدراسية المنفصلة:
1- تفتيت المعرفة:
أدت زيادة تخصص المعرفة وزيادة مطالب الحياة الاجتماعية إلى ظهور مزيد من المواد الدراسية الجديدة وظهرت تجزئة المعرفة بصورة أكثر وضوحاً، ومع تضاعف ميادين المعرفة المتخصصة وتناقص الوقت المخصص لكل مادة دراسية، كل ذلك أدى إلى زيادة تعلم المعلومات غير المترابطة مما يؤدي إلى زيادة معدل النسيان لدى المتعلم، ويقلل من فرص التطبيق للحقائق والمفاهيم التي يتم تعلمها، وكذلك يقلل من فرص الربط بين تلك الحقائق والمفاهيم وبين الأشياء الدالة عليها، وأصبحت كل مادة دراسية تمثل طريقاً منتهياً ومسدوداً، ولقد أدت تجزئة التعلم بهذه الصورة إلى التقليل من إمكانية انتقال أثر التدريب وزيادة معدل النسيان لدى التلاميذ(الوكيل والمفتي:2005).

2- تقسيم المواد المنظمة منطقياً:
يوجه البعض النقد إلى المواد الدراسية التي يتم تنظيم محتواها على أساس التنظيم المنطقي للمادة، وحجتهم في ذلك أن الكتب المقررة المستخدمة في التعليم مكتوبة للكبار، وأن تقسيم المعرفة تحت عناوين على أساس منطقي مقبول من وجهة النظر الأكاديمية، وهي على ذلك تناسب المعلم أكثر من مناسبتها للتلميذ،وفي الغالب فإن التلميذ لا يستخدم المقرر بعد الإنتهاء من دراسته لأن هذا المقرر لا يرتبط بميوله ولا بحاجاته ولا بمشكلاته ولا بمشكلات المجتمع الذي يعيش فيه التلميذ، ولقد أثبتت بعض الدراسات النفسية أن الفرد ينمو عن طريق اكتسابه سلسلة من الأنماط السلوكية والاتجاهات الاجتماعية المهارات مما يؤكد على أن التنظيم المنطقي للمادة الدراسية لم يعد الوسيلة المثلى ولا التنظيم المقبول لاكتساب التلاميذ كل تلك الميزات(أبو العز:2005).

3- إهمال جوانب شخصية التلميذ:
يرى بعض الباحثين أن منهج المواد الدراسية المنفصلة يركز على الجانب المعرفي فقط، ويهمل الجوانب الأخرى للأهداف، كما يهمل قيمة مهارات التفكير لدى التلاميذ وكذلك قيمة الميول والقدرات، وحتى بالنسبة للجانب المعرفي نجده يعطي اهتماماً أكثر لعملية حفظ واستظهار الحقائق والمعلومات، ويعمل على تأكيد تعلم التفاصيل وإهمال عمليات الفكر الإيجابية وإهمال العوامل التي تساعد إنتقال أثر التدريب لدى التلاميذ، وإهمال العلاقات الايجابية بين الأفكار والحقائق، أي أنه يمكننا القول إن هذا النوع من تنظيمات المناهج يهتم بتنمية جانب واحد فقط من جوانب النمو لدى التلاميذ وهو الجانب المعرفي وإهمال بقية جوانب النمو الأخرى مثل ميول التلاميذ وحاجاتهم ومشكلاتهم، مع أن التلميذ هو محور العملية التعليمية والتربوية (مصطفى:2001).

4- طريقة التدريس:
يعتمد منهج المواد الدراسية على طريقة الإلقاء من جانب المعلم والتسميع من جانب التلميذ، ونادراً ما يستخدم المعلمون طرقاً أخرى في التدريس، وذلك يرجع إلى إعتقادهم في أن الطريقة المثمرة في نقل الحقائق والمعلومات من الماضي إلى الأجيال الحالية والقادمة هي طريقة الإلقاء، وكلما استطاع التلميذ أن يردد ما عرفه فإن ذلك يعد دليلاً على التحصيل، ومن النقد الذي يوجه إلى تلك الطريقة، أنها تجعل المادة الدراسية غاية في ذاتها ويصبح المعلم مصدراً للمعلومات، والشخص الذي يعرف الأجزاء الهامة من المادة الدراسية وهو الذي يحدد مايتعلمه التلميذ في كل درس من الدروس، أما التلميذ فهو في موقف سلبي ويقتصر عمله على تلقي المعلومات التي يلقنها له المعلم وتنفيذ ما يطلبه المعلم دون إعتراض، وبذلك فإن من أهم عيوب تلك الطريقة، هو حرمان التلميذ من فرص البحث والتنقيب عن المعلومات التي تناسبه، خاصة التي يشعر بالحاجة إليها كما تحرمه من أنواع النشاط الأخرى ذات القيمة التربوية الكبيرة كما أنها تجعل معظم التلاميذ يشعرون بالملل فلا يقبل الواحد منهم على المادة الدراسية إلا من أجل النجاح في الامتحان، ولقد أثبتت البحوث المتعلقة بعملية التعليم والتعلم أن التعلم عن طريق الإلقاء أو الوصف أو القياس يؤدي إلى تنمية السلبية الفكرية ومنع انتقال أثر التدريب(الأصول التربوية:1985).

5- الانفصال عن الحياة والبعد عن خبرات التلميذ:
إن بعد المنهج عن تطبيقات الحياة وخبرات التلاميذ وعدم مراعاته لميول التلاميذ أضعف دافعيتهم للتعلم، وفي الحقيقة لا يعرف بالضبط هل طريقة التدريس أو تنظيم المحتوى هو السبب في هذا الانفصال،ولكن من الإنصاف أن نقول إن منهج المواد الدراسية وطريقة تدريسه لا يفسح المجال بالقدر الكافي لخبرة التلاميذ ولا يتخذ منها نقطة بداية للعملية التعليمية ولا ينمي مهارات التلاميذ في تطبيق ما تعلموه على مشكلات الحياة التي تواجههم في المجتمع الذي يعيشون فيه، مع العلم أن المعرفة لا تكتسب من خلال الخبرات الحية، أو التي لا توضع موضع الاستخدام في مجالات الحياة، تعتبر مادة ميتة لا حياة فيها(مبارك:1995).

6- تقسيم المادة لا يؤدي إلى النمو المتكامل للقوى العقلية:
لقد اتضح أن المحتوى المقسم إلى مواد دراسية منفصلة ليس وسيلة مناسبة لتحقيق النمو المتكامل للقوى العقلية مهما بذل المعلمون من جهد، وربما يكون نقطة الضعف في المفهوم التقليدي لتنظيم المادة، هو افتراضها أن التدريب القوي في المواد الأكاديمية البعيدة عن الواقع الاجتماعي ينمي القدرات والمهارات المطلوبة في مواجهة مشكلات الحياة، ولكن الأبحاث التي أجريت في هذا المجال قد أثبتت أن سبب عدم نجاح الشاب في مواجهة المشكلات خارج المدرسة يرجع إلى أن المدرسة لم تعطهم فرصة كافية للتمكن من القدرات والمهارات الهامة المطلوبة للحياة(مبارك:1995).

7- تخطيط المنهج لا يتم على أساس الأهمية:
من الانتقادات الهامة التي توجه إلى منهج المواد الدراسية المنفصلة أنه يخطط مسبقاً ويفرض على كل من المعلم والتلميذ من الجهات المركزية، هذا إلى جانب أن عملية التخطيط لا تتم على أساس أهمية المعرفة المقدمة في إحياء التراث الثقافي أو في وضع استراتيجيات المستقبل، كما أن هذا المنهج يؤدي إلى حصر مجال المعرفة وتحديده وبالتالي فإن معنى ذلك أنه في حالة ظهور معرفة جديدة فلا يمكن إضافتها إلا بإضافة مواد دراسية جديدة، ومعنى ذلك إزدياد عدد المواد باستمرار قد يبعد التناسق بينها، هذا إلى جانب أن منهج المواد الدراسية قد اهتم بجانب واحد فقط من التراث الثقافي وهو المعرفة، مع إهمال جوانب التعلم الأخرى مثل العادات والميول والاتجاهات والقيم وغيرها من جوانب التعلم الأخرى(حميدة:د.ت).

8- عدم الاهتمام بالفروق الفردية:
يفرض منهج المواد الدراسية المنفصلة دراسة مجموعة من المواد الدراسية على جميع التلاميذ بصرف النظر عن قدراتهم واستعداداتهم، (سعادة، وإبراهيم: 2001) وهذا يؤدي بدوره إلى تعثر بعض التلاميذ في الدراسة، وفشل البعض الآخر مما يؤدي إلى زيادة حالات التسرب،وهو بذلك يهمل الفروق الفردية بين التلاميذ، ويعاملهم على أساس أنهم جميعاً متساوون في قدراتهم واستعداداتهم.

9- الفلسفة التي على أساسها بني المنهج:
بني منهج المواد الدراسية المنفصلة على فلسفة غير سليمة إذ كان يتصور واضعو هذا المنهج أن التوسع في المعلومات والتعمق في المعرفة يزيد من قدرة الفرد على فهم شؤون الحياة، وعلى إتباع السلوك السليم، وعلى إكتساب العادات المرغوبة، وهذا غير صحيح، إذ أن المعرفة وحدها ليست كافية بالمرة لتوجيه السلوك، ففي كثير من الأحيان يقوم الفرد بعمل معين مع علمه بأن هذا العمل ضار له مثل الكذب أو السرقة ومع ذلك يقوم بهذا العمل، مثال اللص الذي يسرق هل لا يعرف أن السرقة عمل يعاقب عليه في دنياه ويحاسب عليه في آخرته ؟ وهل عندما يعرف التلميذ أهمية النظافة وأساليبها هل يصبح نظيفاً فعلاً؟ بالطبع لا، لأن الطفل حتى يصبح نظيفاً لا بد من تعويده على القيام بأنواع معينة من السلوك المرتبط بالنظافة إلى جانب تعرف المعلومات ومتابعة السلوك التلميذ وتشجيعه إذا لزم الأمر أو تحذيره أو معاقبته عند ترك هذا السلوك حتى تصبح النظافة عادة من العادات وجزءاً من سلوك التلميذ (الوكيل والمفتي:1998).

10- شكلية التطوير وسطحيته:
يكون التطوير في هذا المنهج تطويراً معرفياً فقط، عن طريق الإضافة والحدذ والتعديل في الصياغة أو الترتيب، دون أن يكون ثمة تطوير مصاحب في أداء المعلم وإعداده أو تدريبه أو تطوير مماثل في عملية التقويم، الأمر الذي يفقد التطوير مغزاه(سعادة وإبراهيم:2001).

رابعاً: مزايا منهج المواد الدراسية المنفصلة:
1- نقل التراث الثقافي بين الأجيال:
يرى المؤيدون لمنهج المواد الدراسية المنفصلة أن من أهم مميزاته ضمان إنتقال التراث الثقافي عبر الإجيال، لأن تراكم التراث الثقافي يتطلب تنظيمه في إطار منسق، بحيث يسهل دراسته وتعلمه ومن ثم نقله عبر الأجيال والاحتفاظ به، وهذا ما يقوم به منهج المواد المنفصلة، فالتلاميذ يكتسبون في أعوام قليلة ما ورثناه من ثقافة خلال عدة قرون هذا إلى جانب نقل التراث الثقافي من دولة إلى أخرى بطريقة منتظمة، ومما لا شك فيه أن نقل التراث الثقافي بين الأجيال من الأهداف الهامة التي تسعى التربية إلى بلوغها(الوكيل والمفتي:1998).

2- سهولة تخطيطه وإعداده وتنفيذه وتتقويمه وتطويره:
إن التنظيم المنطقي المستخدم في عرض محتوى المنهج يساعد في تخطيطه وإعداده، ولا يتطلب ذلك أكثر من عملية تحديد المعلومات التي يجب تزويد التلاميذ بها ثم توزيعها في صورة مواد دراسية على مراحل وسنوات الدراسة المختلفة، ثم تحديد الطرق والأساليب والوسائل المناسبة، أما بالنسبة لتنفيذه فهو لا يحتاج إلا إلى تجهيز الفصول، وإعداد الكتب الدراسية، وطبع النشرات والتوجيهات اللازمة للمعلمين، أما التقويم فغالباً ما يتم عن طريق الامتحانات سواء كانت شهرية أو في نهاية العام الدراسي، أما تطويره فيغلب عليه أسلوب الحذف والإضافة سواء الجزء من المادة الدراسية أو للمادة الدراسية كلها(قورة:1985).

3- يحظى بتأييد عدد كبير من رجال التعليم:
لقد أدى إستخدام هذا التنظيم المنهجي لسنوات طويلة إلى تمسك العديد من المعلمين والموجهين به، وذلك لأنهم قد تربوا وأعدوا في ظل هذا المنهج، وبالتالي فهم يعملون على تأييده ومناصرته بكافة الوسائل وهو يحظى أيضاً بتأييد بعض رجال الجامعات له، وذلك لأنه يسمح بالتعمق في دراسة المواد وهذا يتمشى مع طبيعة الدراسة بالجامعات التي تركز على الجانب التخصصي الأكاديمي(سعادة:2001).

4- اقتصادي بالنسبة لغيره من التنظيمات الأخرى:
يعتبر منهج المواد الدراسية المنفصلة اقتصادياً بالنسبة لغيره من التنظيمات المنهجية الأخرى، إذ لا يتطلب سوى بناء المدارس فقط، فهو لا يحتاج معامل أو ملاعب أو أماكن لممارسة الأنشطة الأخرى في العملية التعليمية ولا يحتاج إلى ورش أو مزارع أوأماكن لتنفيذ مشروعات النشاط، وإنما يكفي فقط حجرات الدراسة وبعض الحجرات الإضافية التي قد يمارس فيها التلاميذ بعض الهوايات (إبراهيم:1975).

5- سهولة عمل المعلم: ( يقوم المعلم بعمله بسهولة ويسر):
إن تنظيم منهج المواد الدراسية المنفصلة يسهل عمل المعلم في عملية التدريس، وكذلك في عملية التقويم، ففي عملية التدريس يركز المعلم على الحقائق والمعلومات والقوانين، هذا إلى جانب ثبات المحتوى حيث لا يختلف من بيئة إلى أخرى ولا من زمان إلى آخر، وأما عملية التقويم فهي تقتصر على عملية بناء الاختبارات سواء كانت مقالية أو موضوعية، وذلك بهدف التأكد من أن التلاميذ قد استظهروا ما درسوه من معلومات وحقائق(الوكيل والمفتي:1998).

6- سهولة مهمة التنفيذ:
من مميزات منهج المواد الدراسية المنفصلة سهولة مهمة التلميذ حيث يقدم إلى التلميذ المادة الدراسية في صورة سهلة ومنظمة ومبوبة تحت عناوين أساسية وأخرى ثانوية، ومسجلة في الكتاب المدرسي الذي يأخذه التلميذ في أول العام الدراسي، ويرجع إليه كلما احتاج إلى مراجعة أو حفظ المعلومات والحقائق التي يتضمنها الكتاب المدرسي والذي يقوم المعلم بشرحها وتبسيطها وتلخيصها.

خاتمة:
لقد بذلت محاولات عديدة من أجل تحسين منهج المواد الدراسية المنفصلة بهدف تلاشي أوجه القصور التي سبقت الإشارة إليها، ولقد أدت هذه المحاولات إلى تقديم منهج المواد الدراسية المنفصلة بأسلوب آخر وتحت أسماء مختلفة نوضحها اختصاراً فيما يلي:
أولاً: منهج المواد المترابطة
ثانياً: منهج الادماج
ثالثاً: منهج التكامل (إبراهيم والكلزة:د.ت).

أولاً: منهج المواد المترابطة:
وفي هذا النوع من التنظيم المنهجي تبقى المواضيع منفصلة، بمعنى أن خصائص منهج المواد الدراسية تبقى كما هي على انفصالها، وعلى أوقاتها المعينة لها، ولكن كل ما يحدث أن يتفق معلموها على خلق شيء من الترابط بينها، فيعالج معلم اللغة العربية العصر الأدب في العصر الجاهلي، وآخر التاريخ في العصر الجاهلي، وثالث، يعالج الظاهر الاجتماعية فيه، وهكذا.

وفي هذا التنظيم المنهجي يحدث شيء من تنظيم بعض المفاهيم المشتركة وتقويتها، ويحدث تكامل بين فروع المعرفة المختلفة، وهذا ما تنادي به التربية الحديثة. إلا اننا في نفس الوقت يجب أن ندرك أن الموضوعات تبقى كما هي منفصلة بمعنى أن الترابط هنا ظاهري ولا يمت للمحتوى بأية صلة.

ثانياً: منهج الإدماج:
ويعني الإدماج معالجة النواحي المنفصلة بعضها بالبعض الآخر من المواد الدراسية المنفصلة، فيمكن إدماج المهارات اللغوية من تعبير وقراءة، وخط وقواعد وتعبير كتابي وأدب، ويسمى هذا الميدان "فنون اللغة" وكذلك "ميدان العلوم العامة" وتشمل الكيمياء والطبيعة والأحياء، ومجال "العلوم الاجتماعية" ويعالج فيه التاريخ والجغرافية والاجتماع والاقتصاد.

وإذا نظرنا إلى هذا المنهج نلاحظ أنه صورة أخرى لمنهج المواد الدراسية ولا يختلف عنه في شيء إلا في الناحية التنظيمية فقط.

ثالثاً: منهج التكامل:
وهو خطوة وسط بين انفصال المادة الدراسية وادماجها دمجاً تاماً، لأنه يعترف بالمواد المنفصلة في نفس الوقت الذي يعبر فيه حدودها عند الضرورة وأثناء عملية التدريس، وهذا المنهج يقدم فرصاً مفتوحة أمام التلاميذ ليختاروا فيها تبعاً لمستوى مشكلات أو مواقف حياتية يقومون بمعالجتها تحت إشراف مدرسيهم، وفي أثناء معالجة التلاميذ لهذه المواقف يقومون بإنتقاء أجزاء من المواد الدراسية يشعرون بالحاجة إليها، ثم يقوم التلاميذ بدراسة أجزاء المواد التي انتقوها بحيث تتكامل أمامهم هذه المواد مع معالجة المشكلة مع قيامهم بأوجه نشاط متعددة.

قائمة المصادر والمراجع:
 الجمل، نجاح، (د.ت) نحو منهج تربوي معاصر. د.ط.
 حميدة، إمام مختار، (د.ت.) تنظيمات المناهج وتطويرها، مصر: القاهرة، دار زهراء الشرق.
 سعادة، جودت، وإبراهيم، عبد الله، (2001) تنظيمات المناهج وتخطيطها وتطويرها. دار الشروق.
 قورة، حسين، (1985) الأصول التربوية، مصر: القاهرة، دار المعارف.
 الوكيل، حلمي، والمفتي، (2005) أسس بناء المناهج وتنظيماتها. دار المسيرة. الأردن: عمان.
 الوكيل، حلمي، والمفتي، (1998) المناهج، مصر: القاهرة، مكتبة الإنجلو المصرية.
 مبارك، فتحي، (1995) الأسلوب التكاملي في بناء المناهج بين النظرية والتطبيق، القاهرة، دار المعارف.
 مصطفى، صلاح، (د.ت) المناهج الدراسية، السعودية، دار المريخ.
 إبراهيم، مجدي، (د.ت) تنظيمات حديثة للمناهج التربوية، القاهرة: مصر، مكتبة الإنجلو المصرية.
 إبراهيم، فوزي، ورجب الكلزة، (د.ت) المناهج المعاصرة، الإسكندرية، منشأة المعارف.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/89316/#ixzz5FERSxrFl

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: موسوعة علوم التربية 2016 © سياسة الخصوصية تصميم : كن مدون