ما هو لعقد الديدكتيكي؟ وما هي آثاره؟
يمكن تعريف التعاقد الديدكتيكي حسب كي. بروسو Guy Brousseau بأنه :" مجموع السلوكات الصادرة عن المدرس والمنتظرة من طرف المتعلمين، ومجموع السلوكات الصادرة عن المتعلم والمنتظرة من طرف المدرس. و هذا التعاقد عبارة عن مجموع القواعد التي تحدد، بصورة أقل وضوحا وأكثر تسترا، ما يتوجب على كل شريك في العلاقة الديداكتيكية، تدبيره وما سيكون موضوع محاسبة أمام الآخر".
ومن خلال هذا الطرح يمكن استنتاج ما يلي:
التعاقد الديدكتيكي هو بمثابة قانون استراتيجية حل وضعية ديدكتيكية، إذ يحدد موقع المدرس وموقع المتعلم من المعرفة، كما تحدد مستويات المسؤولية الموكولة لكل منهما.
وقد نشأ هذا المفهوم في سياقات عملية تستهدف عقلنة العمل التربوي وذلك ب:
- اشتراك المتعلم في إعداد المحتوى التعلمي مع استبعاد مفاجأته بالدرس .
- الانطلاق مما يعرفه المتعلم للوصول إلى ما ينبغي له معرفته.
- تبني طرائق التدريس الفعالة في التنفيذ .
- اعتماد أساليب التقويم الحديثة والابتعاد عن أساليب الاختبارات التقليدية.
وتعد التعليمات / الإرشادات الموجهة من طرف المدرس إلى المتعلمين إحدى أصول العقد الديدكتيكي .
ويعتبر بناء المعرفة واكتسابها مجمل ما يمكن أن ينتظر من المتعلم وفقا لشروط ومعايير محددة؛ ويمكن أن يكون هذا الالتزام المطلوب من المتعلم موضوع نقاش وتفاوض، كما يمكن أن يكون موضوع مراجعة إن اقتضى الأمر. ذلك رأي في حالة ما إذا كان التكيف مع بعض الوضعيات التعليمية - التعلمية يستوجب المراجعة .
والتعاقد الديدكتيكي حاضر في كل عملية تعليمية - تعلمية حتى وإن كانت بنوده غير معلنة أو غير مصرح بها، وقد يمر بصورة غير مرئية، إلا في حالة ما إذا حدث تعثر في عملية التعلم، يفصح عن مدى عمومية التعاقد الديدكتيكي ومدى فضفاضية بنوده أو استعصائها عن الفهم من طرف المتعلمين .
ففي أغلب الأحيان يكون هذا الغموض أو الالتباس في التعاقد الديدكتيكي، وراء العديد من الحالات الانفعالية السلبية التي يعاني منها المتعلمون، خاصة عندما يصطدمون بمدرس لا يعبر بوضوح عما ينتظره منهم، و يعجزون عن معرفة ما يريده أو ما يتوخاه من عملهم. و قد يؤدي مثل هذا الغموض في التعاقد إلى حالات التعثر، إن لم نقل الفشل الدراسي.
الآثار الديداكتيكية :
عادة ما يدرج الباحثون هذه الآثار ضمن " انحرافات " المدرس عن العقد الديدكتيكي الـمبرم صراحة أو ضمنا مع مجموع المتعلمين.
مهمة المدرس الأساسية هي أن يقود كل المتعلمين إلى التحكم في الأهداف المتوخاة من العملية التعلمية – التعلمية، و لكنه قد يقع في مخالفة، و هو يحرص في بعض الأحيان على مساعدتهم و مدهم ببعض الوسائل التي تسهل الفهم لديهم أو تتيح نجاحهم في الأداء.
رصد الديدكتيكيون في شأن بعض " المخالفات " ما يلي :
- أثر طوباز Topaze:
و يتمثل في الحالة التي يهيئ فيها المدرس أسئلة الدرس على مقاس الأجوبة التي يريد سماعها، وهكذا يضع المدرس الجواب الذي يريده، ويشرع في صياغة الأسئلة على ضوئها، لطرحها على المتعلمين. و قد يتجلى هذا الأثر في حالات أخرى، و منها الحالة التي يقف فيها المتعلم أمام صعوبة لمواصلة حل وضعية مشكلة، و يقتضي الأمر أن يواجه تلك الصعوبة في حينها، ولكنه، عوض ذلك قد يتلقى مساعدة حاسمة من طرف المدرس، الشيء الذي يفوت عليه فرصة لبناء تعلماته و بلوغ مستوى أعلى من التعلم .
- أثر جوردان Jourdain:
و هو عبارة عن سوء تفاهم عميق، يحدث أحيانا عندما يتفادى المدرس عن قصد كل نقاش مع المتعلمين حول معلومة أو مفهوم معين، و يكتفي بتقبل أدنى مؤشر سلوكي صادر عنهم، معتبرا إياه دليلا على الاستجابة لما طلب منهم إنجازه، حتى و إن كان ذلك المؤشر عاديا و غير مقنع.
و قد يتجلى هذا الأثر أيضا عندما يعتبر المدرس أن إشارة بسيطة يبديها المتعلم، دليل على فهمه و استيعابه لما قدم له.
- الانزلاق الـميتا معرفي:
قد لا يتوقف المدرس أحيانا، في إبلاغ ما يريد إبلاغه للمتعلمين، فيعجز بالتالي، عن دفعهم نحو تحقيق الهدف المتوخى، فيلجأ (كتعويض عن فشله) إلى تبريرات متعددة، ويتحول إلى موضوعات أخرى، مستبدلا بذلك الموضوع الذي يشكل المحور الفعلي للدرس، أو قد يركز شرحه على طريقة أو تقنية معينة ويتوقف عندها كبديل عن الموضوع المرغوب فيه.
- الاستعمال المفرط للمماثلة Analogie:
لا شك على أن المماثلة تعتبر من "التقنيات" الجديدة في الشرح و التفسير، إلا أن الإفراط في استعمالها قد يؤدي إلى نتيجة عكسية أو غير متوقعة. و قد لاحظ الديدكتيكيون أن هذا الاستعمال الـمفرط للمماثلة على مستوى التعاقد الديدكتيكي، أمر غير مفيد، بل بالعكس، يمكن أن يفضي إلى السقوط في ما يعرف بأثر طوباز أو بعبارة أخرى إلى تباطؤ في الفهم وتأخر في اكتساب المعلومات .
- شيخوخة الوضعيات التعليمية :
إن مرور الزمن والتغيرات المستمرة للبرامج و المناهج، قد يؤدي إلى نوع من التقادم في الوضعيات الديدكتيكية، فيصبح المدرس غير قادر على إعادة إنتاج نفس الوضعيات لتؤدي الغرض المنتظر منها. وهذا الإحساس بالتقادم أو التقادم الفعلي، في أغلب الأحيان، يطرح إشكالية ديدكتيكية أساسية خاصة إذا انتبهنا إلى أن بعض التغييرات التي تطرأ على المناهج قد لا تمليها ضرورات تربوية بقدر ما تترجم نوعا من اتباع الـموضة.
ليست هناك تعليقات: