قراءة في امتحان الكفاءة المهنية لولوج الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية
من إطار أساتذة التعليم الابتدائي
ذ.عبد الله ضيف
في هذا المقال سوف أشير إلى ما أعتقد أنه الخلفيات النظرية والفلسفةالماثلة خلف طبيعة الأسئلة للموضوعين اللذين امتحن فيها أساتذة التعليمالابتدائي
إن ما تريده الوزارة اليوم هو نقلة نوعية في الفعل و التصور نابعةمن الاقتناع الذي توصل إليه المسؤولونمن أن الذي يمكن أن يقوم بالإصلاح فعلا هوالعنصر البشري ،وبالتالي فلا إصلاح إلا بواسطة هذا العنصر البشري ،فالوصول إلى المتعلمين والإسهام في إنجاح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لن تتم ولن تكون ناجحة إلا عبر المرور بإصلاح شامل متكامل للعنصر البشري … وبعبارة أخرى ما أفشل الإصلاح هو العنصر البشري.يشار إلى ذلك تلميحاأحيانا وتصريحا في أحيان كثيرة،كان آخرها التأكيد على دور المراقبة و تفعيلالتقويم الموضوعي في تمهير وتمهين رجال التعليم و نسائه.وتعتبر اللائحة الجديدةللتقويم التطبيق الفعلي لهذا التوجه.
قد يتساءل أحد القراء : ما علاقة ما تقولبمواضيع الامتحان ؟فنشير إلى ما يلي:
إن التأكيد على التكوين الدائم لرجلالتعليم من أجل تأهيله للقيام بدوره الكامل في الإصلاح والإقلاع بالمنظومة التربويةيجد صداه أولا في هذه الدعوة الكبيرة العدد للممتحنين من أجل عدد معلوم منالمناصب المالية المحددة،أي خلق الوزارة لورش كبير للتكوين الذاتي على حساب رجل التربية و التعليم و دون أنتتحمل الخزينة أي مجهود مادي.وكذلك تم من خلال هذا الامتحان الترويج للدليلالبيداغوجي الذي يراد له أن يصبح دستور التربية في البلاد .فالمواضيع مستمدة منهكأسئلة أو تعتمد ما جاء فيه باعتباره منطلقا للإجابة المباشرة.
السؤال الأول يتساءل عن المنطقالذي يؤطر هيكلة البرنامج الدراسي زمنيا و مضمونيا .وهذا المنطق يغلفكل الاختياراتالتي أشار إليها الدليل البيداغوجي،وأهمها أسس البرنامج وهي مدخل التربية علىالقيمو مدخل التربية على الاختيار و مدخل التدريس بالكفايات.هذه المداخل الثلاث تفسر كلالاختيارات الأخرى،وللإجابة على السؤال يجب عدم الاكتفاء برسم خطاطة لتوضيح ترتيبالأسابيع الأربعة و الثلاثين و توزيعها لأسدسين و ابتداؤها بالتقويم التشخيصيوانتهاؤها بإجراءات آخر السنة مرورا بتقديم فقرات البرنامج في ستة أسابيع،تليهاأسبوع للدعم العام وآخر للدعم الخاص ثُم فترة بينية، وهكذا دواليك. ليس المطلوبالتفصيل في هذا فحسب بل المطلوب الإشارة الى منطقه و دوافع هذا الاختيار.إن مداخلالبرنامج تفسر هذا الاختيار.التكامل و التدرج و التخفيف و التوازن… كلها سماتللبرنامج تجد تفسيرها في مداخله والبرنامج هناcurriculum بمعناه الانجليزي لاالفرنسي الذي يتجاوز المحتوى بتجزيئيته و انفصال محتوياته عن السياق المعرفي والاجتماعي الذي يفقد المعارف المعنى. وإذا دققنا النظر في كيفية بناء البرنامجوجدناه بتمظهره السنوي و المجالي و الأسبوعي و اليومي لا يخرج عن مكونات مرحليةثلاث:
1 ـ وضعية بناء وتتكون من مرحلة التشخيص و مرحلة الاستكشاف و الفهم و مرحلةالتدريب،
2 ـ وضعية الإدماج:وقد يكون جزئيا خلال حصة أو درس أو وحدة وقد يكون نهائيالدرس أو وحدة أو فترة يقدم خلال أسبوع الدعم الخاص.
3 ـ وضعية التقويم سواء نهاية حصةأو درس أو وحدة أو فترة أو سنة.ثم الدعم الذي تختلف أنواعه بحسب أنواع التقويم الذييسبقه.فكل البرنامج يتوخى خلق مجال مرن منفتح على إمكانات الواقع و كل الفاعلين فيالحياة المدرسية بتخفيف المحتويات و ربطها بعنصر الجهوية و المحلية و ترك الفرصةللمتعلم في الفترات البينية من أجل الانفتاح على عوالم أخرى من خلال فتح المدرسةعلى المجتمع و انخراطها في هموم الواقع و محاولتها الاستجابة لمتغيراته معالاستفادة من الإمكانات التي يتيحها هذا الواقع ما دام هو أيضا في حاجة إلى هذهالمدرسة الجديدة المتجددة حاجتها إليه .والانطلاق من السهل إلى الصعب ومن المحسوسإلى المجرد و من الاعتراف بحاجات الطفل وتعليمه التعلم عوض شحنه بمعارف متغيرةالقيمة في عالم الانفجار المعلوماتي. لذلك تجد كل المحتويات تنطلق من التحسيس والتلمس مرورا بالاكتساب و الترسيخ و انتهاء بالتعميق.هذه المراحل من الفعل التربويتتم بسلاسة و تدرج و تتيح الإمكانية لمحاربة الهدر المدرسي باعتمادها البيداغوجياالفارقية التي تفرد التعليم و تتيح للمتعلمين أكبر الإمكانيات لتكافؤ الفرص والاعتراف بالفوارق الفردية و الخصوصيات النمائية.وتدفع الأستاذ الى الاشتغالببيداغوجيا الخطأ و بالتالي التخلي عن سماته السلطوية القديمة.وهذا جانب مما يعالجهالموضوع الثاني الذي تحدث عن تحديث السلط لتتماشى مع المتغيرات العالمية والمحليةالتي تجعل من مبادئ الديمقراطية و الحرية و حقوق الانسان مبادئ عالمية تفرض نفسهااختيارا أو إجبارا .أي أن المطلوب هو التحديث ،هذا التحديث في الجانب البيداغوجيوذلك بالإشارة الى كل المتدخلين في الحياة المدرسية .الإدارة التربوية بتوجههاالجديد نحو التدبير التشاركي من خلال تفعيل مجالس المؤسسة و الشراكات والتعاقد والمشاريع التربوية والمفتش التربوي من خلال التوجه نحو الإشراف التفاعلي الذييجعله منخرطا و فاعلا في العملية التعليمية التعلمية لا مراقبا خارجيا لها.وهذايستتبع ضرورة تغيير الصورة النمطية التي نعرفها عن المفتش وتعويضها بسمات أكثرديمقراطية و أكثر انفتاحاعلى كل الفاعلين مع ضبط العمل و التقويم بتعاقداتبيداغوجية بينه و بين الأستاذ من أجل التوجه نحو تقويم و تقييم موضوعي لا يخضعللأهواء بل لمبدأ الالزام والالتزام و الحقوق المبنية على العدالة و الواجباتالمحروسة بالأمانة.
أما سؤال المنهجية فلم يخرج عن هذا الإطار المنهجي العام.فقداتجه الى الجانب التفسيري أكثر من اتجاهه الى الوصف التقليدي لكيفية بناء الدروس وترتيب مراحلها.لقد طلب تفسير بناء برنامج اللغة العربية على البنية الشفهية قبلالكتابية. و الجواب فيما سبق و قلناه عن بناء البرنامج على منطق التدرج الذي يراعيخصوصية الطفل النفسية و العقلية و النمائية بناء على خلاصات علم نفس النمو و مبادئالمدرسة البنائية في علم النفس و أبحاث « بياجي » خصوصا.و تساوقا مع التدرج من المحسوسالى المجرد و من الضمني الى الصريح.وهو نفسه المنطق الذي جعل دروس قواعد اللغة تقدمضمنيا في دروس التعبير في المستويات الدنيا ثم تجزأ بعد ذلك انطلاقا من دروسالقراءة في المستويات العليا و ذلك حتى لا تبتسر اللغة من مجالها التداولي و حتىتتعلم فيسياقاتها الطبيعية لتكون لها معنى بالنسبة للمتعلم فتكون موردا لكفاياتهاللغوية لا عبئا على ذاكرته يرميه حالما يمتحن فيه.
إذن هذا هو منطق الأسئلةالتي وجهت للممتحنين في امتحان الكفاءة المهنية لأساتذة التعليم الابتدائي و إن ارتأى الإخوة أن نفصل في كل سؤال علىحدة مع الإشارة إلى عناصر الإجابة وتقديم نموذج لجواب اجتهدنا في فعل ذلك إن شاءالله تعالى.
ليست هناك تعليقات: