المدير النشيط
يشرب فنجان قهوة على شرفة بيته، وبصره يجول في الآفاق، اختار أن يقطن في البادية، حتى يبتعد عن ضوضاء المدينة وصخبها، بعدما قضى حياته كدَّا وشقاءً وتعباً، يريد أن يرتاح، ويمنح جسده فرصة لأن يتنفس، ويشحن قواه من جديد.
أفنى عمره في سلك التعليم حيث تدرج فيه من أستاذ إلى ناظر ثم مدير، كان نشيطاً فعالاً مقداماً، لا يهدأ له بال إلا وكل الأمور مضبوطة، ساعده على ذلك صحته التي تمتع بها، فلقد كان طويل القامة عظيم الهامة، يبعث قده على الهيبة، وهو من أسرة ثورية أباً عن جد، فأحس نفسه من نسل كريم، عليه أن يواصل مسيرته، كسلسلة مترابطة الحلقات، يرتبط بعضها ببعض ارتباطاً وثيقاً.
عندما أصبح مديراً، كان ينصح كل من يلجأ إليه ويطلب المساعدة، فقد رأى أنه يمثل القدوة، وعليه أن يقوم بهذا الواجب كما هو مطلوب منه، تجده على رأس عمله من الصباح الباكر، كالأسد الجؤور الذي يهز صوته كل من يطرق أذنيه، إن لم يتحل بهذه الروح،
كيف سيكون حال بقية من يعملون بالمؤسسة؟!
أدرك ذلك إدراكاً تاماً، وعمل على تجسيده على أرض الواقع، بدقة متناهية النظير.
أحب الأولاد وعرف كيف يتعامل معهم، فهو يعلم أنهم صغار ويحتاجون إلى الشدة أحياناً والرأفة والتفهم والمسايرة أحياناً أخرى، لبس رداء المربي عن حق، فكان أباً ثانياً لهم، يوجههم ويربيهم، ويبين لهم الطريق الذي يجب أن يسلكونه في هذه الحياة، أراد منهم أن ينهلوا من العلم ما استطاعوا، وأن يتفاعلوا مع من يدرسونهم، بإيجابية ورغبة في التعلم والدراسة.
سار على مبادئ اكتسبها على مدىحياته الطويلة، قطع أشواطاً فيها، فرسمت على جبينه التجاعيد، ورغم هذا لا يكل ولا يمل، بل كان دوماً بنفس الروح الفعالة، يقضي أيامه في الريف يفلح الأرض، ويتذكر الأيام الخوالي مع التعليم، إنها مسيرة حياة ثرية، وتستحق التنويه والالتفاتة، كان شمعة مضيئة في وقت تتلبد فيه الظلمات، فأضاءت مؤسسته وخَرَّجت أجيالا تقدر قيمة العلم، هذا ما كان يهدف إليه، ولقد حقق ما أراد، هو يرتاح ومن حقه الراحة، فهذا أقل جزاء يستحقه من سعى إلى نشر العلم والمعرفة، إنما التكريم والعرفان بالجميل، سيكون أجمل وأروع، ويقذفان في الفؤاد شعورا بالرضا، وأن مجهوده ذاك الذي بذله، لم يذهب سدى.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/126466/#ixzz5BKjyBN4E
ليست هناك تعليقات: