تطوير اللغة.. هل يكون إحدى مفاتيح التقدم العلمي العربي
إذا كنت مختصّاً بعلوم اللّغات أو التّاريخ أو الأحياء، فنحن بحاجة رأيك هنا لو سمحت
اللغة.. هي اللبنة الأولى والأساس لأي عمل أو مشروع علمي كان أم تجاري.. وكي يكون ذلك العمل متكاملاً، لا بد من كمال اللغة المستخدمة، وهذا يتناسب بالطبع مع أطراف العملية (إذا كان لها أكثر من طرف)، فلا يمكن لمحامٍ أن يتحدث باللغة الهندية في محكمة كل من فيها عرب، ولا يمكن لأستاذٍ أن يشرح درساً لطلابٍ ألمان باللغة اليابانية، أيضاً لا يمكن لشاعرٍ أن يلقي قصيدة مليئة بالأخطاء اللغوية أمام الملأ.
إذاً.. فاللغة (السليمة) شيء لا بدّ منه في عملية الإنتاج مهما كانت.
ببساطة أكثر
سنتحدث في هذا المقال عن قضية كان لا بد من التركيز عليها وطرحها للنقاش في وقتٍ مبكّر لمدى حساسيتها وأهميتها في تطوير طرائق تفكير الطلبة وأصحاب التخصص في كل المجالات العلمية، حيث تفتقر لغتنا العربية إلى المرونة والقابلية على التطوير كما في اللغات الغربية (الإنكليزية على سبيل المثال)..
فغالباً ما يصطدم طلاب العلم العرب بقواعد لغتهم التي ما زالت تُستخدم بنفس الأسلوب الذي كانت عليه قبل مئات السنين، فمثلاً لا أرى ضيراً في استخدام كلمة (تلفزيون) بدل (تلفاز) أو (رائي)، ولا أجدها معيبة كلمة (كمبيوتر) بدل كلمة (حاسوب).
ولكن كل هذا يظلّ بسيطاً أمام تعريفات سنتحدث عنها في هذا المقال بقيت صامدةً منذ الأزل، تأبى أن تتغير أو أن تتطور، شامخةً كعقبة في وجه الكثير من النظريات العلمية التي فرضت نفسها في كلّ أقطاب الأرض باستثناء وطننا العربي، ولا أعرف في الحقيقة على من أضع اللوم، أعلى أصحاب اللّغة أم على أهل الاختصاص؟
الكلمات التي سنتحدث عنها اليوم تختص في مجال علم الأحياء. حيث أنني أتصادم معها في معظم المواقف.
هي ثلاث كلمات عربية تعبّر (خطأً) عن المعنى المقصود، ربما تكون أتت من كلمات قديمة بقيت حتى اليوم ولم تتغير، أو ربما أتت من ثقافاتنا (الشعبية والدينية والإقليمية….إلخ)، ولكن تغيّر العلوم وظهور نظريّات جديدة على الساحة العلمية يجبرنا أن نغير من تلك المصطلحات، ما من شأنه أن يصنع تغييراً في طريقة إيصال الأفكار (العلمية) الجديدة إلى ذهن القرّاء العرب، والذي ما زال الكثير منهم (للأسف) يضحدها من دون البحث فيها، فقط لأنها تتعارض وموروثاته الثقافية (مسألة التطور مثلاً).
لن أطيل أكثر، لذلك سأنقل لكم تلكم الكلمات وأتمنى أن نناقشها في التعليقات بغية الوصول إلى نتيجة جيدة قد ينتج عنها شيء أجود فيما بعد.
الكلمة الأولى هي Apes
Apes كلمة أجنبية (بغض النظر عن أصلها) تعني (في المضمون العلمي العام) المخلوقات الأكثر ذكاءً وشبهاً بالإنسان، وهي مجموعة تضم (فقط) أربعة مخلوقات هم: (الشيمبانزي-البونوبو-الغوريلا-الأورانغوتان)
يشكلون مع البشر فصيلة الرئيسيات، حيث يشتركون بالكثير من الصفات، أهمها: (التقارب في الحجم-المشي على القدمين-وجود الإبهام في كف اليد-عدم وجود ذيل-الذكاء المكتسب-تطوير الأدوات….).
إن ترجمة هذه الكلمة للعربية تعني (قردة)!!، وفي أشكال أفضل تُترجم (قردة عليا) أو (رئيسيات)، ولكن للأسف كلها كلمات تصب في بوتقة (قرود)، ما يتراءى للقارئ العادي القرود ذات الذيول أو (السعادين). أما باللغة الإنكليزية (على سبيل المثال) كلمة Apes لا تعني قرود، حتى أنه لا يوجد رابط بين Apes و Monkeys (إلا جهلاً أو تعسفاً خدمةً لمصالح ما)، فهما شيئان مختلفان، وكأنما نقول قطط وسلاحف..
المهم في هذا الكلام، هو ارتباط كلمة (قرد) بنظرية التطور، والتي تتلقى هجوماً دائماً من فئة واسعة من الناس، وبالطبع فإنه من غير اللائق أن نقول أن الإنسان أصله قرد، لكن في نفس الوقت فإنه يشترك مع الـ Apes في الكثير من الصفات التي من حقّها أن تدرَس دراسة موضوعية بعيدة عن المعتقدات والموروثات الثقافية.
فمن هنا، وجب علينا أن نقوم ببعض التعديلات على ذلك المصطلح وجعله أكثر دقة بما يتانسب والقضايا المطروحة، فمن باب الأمانة العلمية أن نفرّق بين كلتا الفصيلتين.
مقطع فيديو يظهر إحدى قدرات البونوبو في استخدام الأدوات الحجرية
الكلمة الثانية هي Whales
Whales كلمة أجنبية (بغض النظر عن أصلها أيضاً) تعني (في المضمون العلمي العام) المخلوقات التي تعيش في المياه ولكنها ليست أسماك، لأنها ببساطة تختلف كليّاً عن الأسماك. فهي تتميز بصفات منها: (الحجم الكبير-التكاثر بالولادة-التنفس باستخدام الرئتين…) على عكس الأسماك التي تتكاثر بالبيوض وتتنفس عن طريق الغلاصم…إلخ
لكن في لغتنا العربية، فإن الحوت يعرّف على أنه كل مخلوق يعيش في البحر، كبيراً كان أم صغير، سواء أكان يتنفس عن طريق رئتين أو حتى عن طريق البلوتوث. لا بل وأكثر من ذلك..
مصطلح “برج الحوت” (الكويكبات التي في السماء) كانت أُخذت من تسميات عربية قديمة (حيث كان العرب يسمون الأسماك بالحيتان) ولربما لم يكن في مفهوم العرب القدماء كلمة (أسماك)أو(سمكة)! أما إذا أتينا إلى الكلمة اليونانية (الأصلية) لوجدنا بأنها Pisces وهي تعني حرفيّاً(سمكتان) أو (أسماك) كونه لا يوجد في اللغات اللاتينية مثنى، ولكن ليس (حوت).
الحوت (أعني المخلوق الذي يتكاثر بالولادة ويتنفس عن طريق الرئتين) هو حيوان يعيش في المياه (يمكن أن نشبهه بالتمساح أو فرس النهر) ولكن لا نستطيع أن تشبهه بالأسماك مثل السردين أو السلمون..
لذلك أيضاً فمن الضروري أن نفصل بين تلك المخلوقات التي تتكاثر بالولادة وتتنفس الهواء بشكله الغازي، وبين الأسماك.
الكلمة الثالثة هي Vulture
Vulture كلمة أجنبية أيضاً تطلق على ذاك الطائر الجارح الضخم والذي يأكل الجيف فقط، والذي يتميز برقبته العارية.
ذاك الطائر نسميه نحن في العربية (نسر)!! أي أننا نجمعه في خانة واحدة مع الطيور التي تسمى (Eagles) و التي نسميها أيضاً “نسور”، وهذا ما يعتبر حتماً خطأً فادح.
الـ Eagles هي طيور جارحة (تصطاد) ولا تأكل الجيف كما هو الحال عند الـ Vultures، فهما قطعاً طائران مختلفان في كافة الصفات تقريباً، وكأننا نقول دجاج وصقور!!
حتى أن الأمر ذهب أبعد من ذلك.. حيث وقع جدال كبير في مجلس الشعب السوري عام 1958 (عام الوحدة مع مصر) عندما عُقدت جلسة الإتفاق على شعار الجمهورية المتحدة، فكانت الأغلبية قد وافقت على تبني شعار جمهورية مصر لجعله شعاراً للجمهورية الجديدة وهو الشعار الحالي لمصر والذي يمثل (نسر) صلاح الدين الأيوبي.
لكنّ بعض النواب السوريين رفضوا الفكرة وطالبوا باعتماد شعار سوريا بدلاً منه(والذي يمثل عقاباً وليس نسراً) مستندين برفضهم على كون أن النسر آكلاً للجيف، إضافةً إلى أنه يتصف بصفاتٍ وضيعة!! ما يدل على اختلاطٍ لدى العرب ما بين النسر الـ Eagle و النسر الـ Vulture.
بعض المتنبهين يطلقون اسم (الرّخمة) على أحد أنواع الـ Vulture التي تعيش في مصر، ما قد يكون حلاً لا بأس به لتبنّيه بدل اسم (نسر)الذي “يخدع” القارئ والباحث.
قد تكون هناك مصطلحات أخرى قد نسيتها، لذلك أتمنى أن نقوم بمناقشة هذه المسألة هنا وأن نطرح كل أفكارنا حولها. لربما أنا مخطئ أو فاتني شيء لم أنتبه إليه، حيث أذكّر “بأني لست من المختصين في هذه المسألة”، لذلك أتأمل نقاشكم وآراءكم.
ليست هناك تعليقات: